الذنوب ، بل حصول المصائب (للصالحين) (١) والمتقين أكثر منه للمذنبين ، ولهذا قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «خصّ البلاء بالأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل» (٢).
الثالث : أن الدنيا دار تكليف ، فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار تكليف ودار جزاء معا وهو محال. وقال آخرون : هذه المصائب قد تكون أجزية على ذنوب متقدمة لهذه الآية ، ولما روى الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «والّذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلّا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر» (٣).
قال علي بن أبي طالب : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدّثنا بها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (قال) (٤) : وسأفسّرها لك يا عليّ ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدّنيا فبما كسبت أيديكم والله عزوجل أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة ، وما عفا الله عنه في الدّنيا ، فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه (٥). وتمسكوا أيضا بقوله تعالى بعد هذه الآية : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) وذلك تصريح بأن ذلك الاهلاك بسبب كسبهم. وأجاب الأولون بأن حصول هذه المصائب يكون من باب الامتحان في التكليف ، لا من باب العقوبات ، كما في حق الأنبياء والأولياء. ويحمل قوله : «بما (كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) على أن الأصلح عند إتيانكم بذلك الكسب إنزال هذه المصائب عليكم (٦).
فصل
هذه الآية تقتضي إضافة الكسب إلى اليد ، والكسب لا يكون باليد بل بالقدرة القائمة باليد فوجب أن يكون المراد من لفظ اليد هاهنا القدرة ، وإذا كان هذا المجاز (٧) مشهورا مستعملا كان لفظ اليد الوارد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيها لله تعالى عن (٨) الأعضاء.
قوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أي قد يترك الكثير بفضله ورحمته قال الواحدي ـ بعد أن روى حديث عليّ المتقدم ـ : وهذه أرجى آية في كتاب الله ؛ لأن الله تعالى جعل ذنوب
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ابن كثير : «أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثم الصالحون» ٣ / ٤٠٤ بدون سند.
(٣) رواه ابن أبي حاتم عن الحسن انظر المرجع السابق ٤ / ١١٦ والكشاف ٣ / ٤٧١.
(٤) سقط من ب.
(٥) نقله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٢٦.
(٦) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ١٧٢ ، ١٧٣.
(٧) فهو مجاز مرسل علاقته السببية كقوله تعالى : «يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ».
(٨) في ب «من». وانظر الرازي السابق.