المؤمنين صنفين ، صنف كفّر عنهم بالمصائب ، وصنف عفا عنه في الدنيا ، وهو كرم لا يرجع في عفوه فهذه سنة الله مع المؤمنين. وأما الكافر ، فإنه لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي (ربّه) (١) يوم القيامة (٢).
ثم قال : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي بفائتين (فِي الْأَرْضِ) هربا ، أي لا تعجزونني حيث ما كنتم ولا تسبقوني (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) والمراد به من يعبد الأصنام ، بين أنه لا فائدة فيها ألبتة بل النّصير هو الله تعالى ، فلا جرم هو الذي يحسن عبادته(٣).
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(٣٥)
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) قرأ نافع وأبو عمرو «الجواري» بياء في الوصل (٤). وأما الوقف فإثباتها على الأصل وحذفها للتخفيف ، وهي السفن ، وأحدثها جارية ، وهي السائرة في البحر.
فإن قيل : الصفة متى لم تكن خاصة بموصوفها امتنع حذف الموصوف ، لا تقول : مررت بماش ؛ لأن المشي عامّ ، وتقول : مررت بمهندس وكاتب ، والجري ليس من الصفات الخاصة فما وجه ذلك؟
فالجواب : أن قوله : (فِي الْبَحْرِ) قرينة دالة على الموصوف ، ويجوز أن تكون هذه صفة غالبة كالأبطح (٥) والأبرق (٦) ، فوليت العوامل دون موصوفها (٧). و (فِي الْبَحْرِ) متعلق «بالجواري» ، إذا لم يجر مجرى الجوامد ، فإن جرى مجراه كان حالا منه (٨) ، وكذا قوله : «كالأعلام» وهي الجبال قالت الخنساء :
٤٣٨٣ ـ وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به |
|
كأنّه علم في رأسه نار (٩) |
__________________
(١) لفظ ربه سقط من ب.
(٢) انظر البسيط للإمام الواحدي ميكروفيلم ، والرازي ٢٧ / ١٧٣.
(٣) السابق.
(٤) في النسختين وأما الوقف ، وفي ب فإثباتها ووجدت الوصل والوقف في الرازي ٢٧ / ١٧٤ وفي السبعة غير ذلك. قال ابن مجاهد : قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بياء في الوصل. انظر السبعة ٥٨١ والإتحاف ٣٨٣.
(٥) هو مسيل الوادي لا نبت فيه.
(٦) كل ما فيه سواد وبياض وغلب على الجبل ومن هنا ساغ حذف الموصوف فقد استعملا استعمال الأسماء انظر اللسان بطح وبرق ٢٦٢ و ٢٩٩.
(٧) الدر المصون ٤ / ٧٥٧.
(٨) انظر التبيان ١١٣٤.
(٩) من تمام البسيط في رثاء أخيها صخر ، وشاهده : علم في رأسه فهو بمعنى الجبل مفرقا لأعلام. وانظر ـ