بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه ، وهذا كما ترى بالأوجه الثلاثة بعد الفاء في قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤] كما تقدم آخر البقرة ويكون قد عطف هذا المصدر المؤول من «أن» المضمرة والفعل على مصدر متوهّم (١) من الفعل قبله تقديره : أو يقع إيباق ، وعفو عن كثير. فقراءة النصب كقراءة الجزم في المعنى إلا أن في هذه عطف مصدر مؤول على مصدر متوهم وفي تيك عطف فعل على مثله (٢).
قال تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) قرأ نافع وابن عامر برفعه والباقون بنصبه (٣). وقرىء : بجزمه أيضا (٤). فأما الرفع فواضح جدا ، وهو يحتمل وجهين: الاستئناف بجملة فعلية ، والاستئناف بجملة اسمية ، فتقدر قبل الفعل مبتدأ أي وهو يعلم الذين و «الذين» (٥) على الأول فاعل ، وعلى الثاني مفعول. وأما قراءة النصب ففيها أوجه :
أحدها : قال الزجاج : على الصرف قال : ومعنى الصرف صرف العطف عن اللفظ إلى العطف على المعنى قال : وذلك أنه لم يحسن عطف «ويعلم» مجزوما على ما قبله ؛ إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله ، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار أن» ليكون مع الفعل في تأويل اسم (٦). وقال البغوي : قرىء بالنصب على الصّرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب كقوله : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] نقل من حال الجزم إلى النصب استخفافا وكراهية توالي الجزم (٧).
الثاني : قول الكوفيون : إنه (٨) منصوب بواو الصرف يعنون أن الواو نفسها هي الناصبة ، لا بإضمار «أن» وتقدم معنى الصّرف.
__________________
(١) أو متصيد.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٥٢٠ والدر المصون ٤ / ٧٥٩.
(٣) قراءة متواترة أوردها صاحب الإتحاف ٣٨٣ وكذا صاحب السبعة ٥٨١.
(٤) قراءة شاذة لم ينسبها الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٧٢ وانظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٥ ونقلها القرطبي عن الفراء الذي قال : «ولو جزم «ويعلم» جازم كان مصيبا». القرطبي ١٦ / ٣٤.
(٥) الدر ٤ / ٧٥٩.
(٦) لم أجد هذا الرأي منسوبا للزجاج في : معاني القرآن وإعرابه عند هذه الآية ونسبه أبو شامة في : إبراز المعاني لأبي عبيد ٦٧٥ وأبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٥٢١. ولقد مشى المؤلف وحذا حذو صاحب الدر المصون في نسبة هذا الرأي للزجاج. الدر المصون ٤ / ٧٥٩.
(٧) ذكره في معالم التنزيل ٦ / ١٢٦.
(٨) قال ابن هشام في المغني : والواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول ، فالأولى كقوله : «للبس عباءة وتقر عيني .... البيت».
والثاني : شرطه أن يتقدم الواو نفي أو طلب وسمى الكوفيون هذه الواو واو الصرف ، وليس النصب بها خلافا لهم. وقال ابن هشام : والحق أن هذه واو العطف كما سيأتي. المغنى ٣٦٠ : ٣٦١.