فإن قلت : كيف يصح المعنى على جزم «ويعلم»؟!
قلت : كأنه قيل (١) : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور إهلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين(٢). وإذا قرىء بالجزم فيكسر الميم لالتقاء الساكنين.
وقوله : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) في محل نصب ، بسدها مسدّ مفعولي (٣) العلم.
فصل
المعنى (٤) وليعلم الذين يجادلون أي يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله ـ عزوجل ـ بعد البعث لا مهرب لهم من عذاب الله (٥) ، كما أنه لا مخلص لهم إذا وقصت السفن وإذا عصفت الرياح ، ويكون ذلك سببا لاعترافهم بأن الإله النافع الضار ليس إلا الله (٦).
قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤٢)
قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى : ٣٦] الآية لما ذكر دلائل التوحيد أردفها بالتنفير عن الدنيا وتحقير شأنها ؛ لأن المانع من قبول الدليل هو الرغبة في الدنيا ، فقال : «وما (أُوتِيتُمْ) «ما» شرطية (٧) ، وهي في محل نصب مفعولا ثانيا (٨) «لأوتيتم» والأول هو ضمير المخاطبين قام مقام الفاعل ، وإنما قدم الثاني ؛ لأن له صدر الكلام ، وقوله : (مِنْ شَيْءٍ) بيان لما الشرطية لما فيها من الإيهام (٩). وقوله «فمتاع» الفاء جواب (١٠) الشرط و «متاع» خبر مبتدأ مضمر أي فهو متاع (١١) ، وقوله (وَما عِنْدَ اللهِ) «ما» موصولة مبتدأة ، و «خير» خبرها ، و «للّذين» يتعلق (١٢) «بأبقى».
__________________
(١) في الكشاف كأنه قال.
(٢) السابق.
(٣) التبيان ١١١٤.
(٤) في ب ويعلم.
(٥) وانظر البغوي ٦ / ١٢٦.
(٦) الرازي ٢٧ / ١٧٦.
(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٧٢.
(٨) البحر المحيط ٧ / ٥٢٢.
(٩) السابق وانظر في هذا الدر المصون ٤ / ٧٦١.
(١٠) الكشاف السابق.
(١١) التبيان ١١١٤.
(١٢) في ب متعلق بالاسمية وانظر الدر المصون ٤ / ٧٦١.