فصل
المعنى : وما أوتيتم من شيء من رياش الدنيا فمتاع الحياة الدنيا ليس من زاد المعاد ، وسماه متاعا تنبيها على قلته وحقارته وجعله من متاع الدنيا تنبيها على انقراضه ، وأما الآخرة فإنها خير وأبقى والباقي خير من الخسيس الفاني.
ثم بين أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفا بصفات منها أن يكون من المؤمنين فقال (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(١). وهذا يدل على من زعم أن الطاعة توجب الثواب ؛ لأنه متكل على عمل نفسه لا على الله فلا يدخل تحت الآية (٢).
الصفة الثانية : قوله : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) نسق على (٣) «الذين» الأولى. وقال أبو البقاء : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) في موضع جر بدلا من (٤) «الذين (آمَنُوا) ويجوز أن يكون في محل (٥) نصب بإضمار «أعني» أو في موضع رفع على تقدير «هم» (٦) وهذا وهم منه في التلاوة كأنه اعتقد أن القرآن : وعلى ربهم يتوكلون الذين يجتنبون فبنى عليه الثّلاثة الأوجه وهو بناء فاسد (٧).
قوله : (كَبائِرَ الْإِثْمِ) قرأ الأخوان هنا وفي النجم (٨) : «كبير الإثم» بالإفراد (٩) ، والباقون كبائر بالجمع في السورتين ، والمفرد هنا في معنى الجمع والرسم الكريم يحتمل القراءتين.
فصل
تقدم معنى كبائر الإثم في سورة النساء (١٠). قال ابن الخطيب : نقل الزمخشري عن ابن عباس : أن كبير الإثم هو الشرك ، وهو عندي ضعيف لأن شرط الإيمان مذكور وهو يغني عن عدم الشرك ، وقيل : كبائر الإثم ما يتعلق بالبدع واستخراج الشبهات (١١). وأما
__________________
(١) الرازي ٢٧ / ١٧٦.
(٢) الرازي المرجع السابق.
(٣) التبيان ١١٣٤ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٩ ، وفي معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٠٠ أنه صفة «لِلَّذِينَ آمَنُوا».
(٤) لم أجد ذلك في كتابه السابق وإنما ما وجدته ما قاله المؤلف بعد.
(٥) في ب موضع.
(٦) التبيان ١١٣٥.
(٧) والصحيح أن أبا البقاء لم يتوهم ذلك ولقد تابع المؤلف السمين الذي نقل هذا عن أبي حيان ولقد تتبعت كتاب التبيان وآراءه في هذه الآية فلم أجد ما كتبه عنه المؤلف تبعا للسمين وشيخه. انظر البحر ٧ / ٥٢٢ ، والدر المصون ٤ / ٧٦١.
(٨) يعني الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللّمم الآية ٢٢.
(٩) انظر السبعة ٥٨٣ ، وابن خالويه ٣١٩ ومعاني الفراء ٣ / ٢٥.
(١٠) في قوله : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ» [النساء : ٣١].
(١١) الرازي ٢٧ / ١٧٦.