فالجواب : لأنهم (١) كانوا منكرين البعث فلما شاهدوا هذا الإحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن تلك الإماتة والإحياء.
واعلم أنهم لما قالوا فهل إلى خروج من سبيل فالجواب الصريح عنه أن يقال : لا أو نعم وهو تعالى لم يقل ذلك بل قال كلاما يدل على أنه لا سبيل لهم إلى الخروج وهو قوله (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب والخلود من النار وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط إنما وقع بسبب كفرهم بتوحيد الله ، أي إذا قيل لا إله إلا الله كفرتم وقلتم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي تصدقوا ذلك الشرك (٢).
قوله «وحده» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدر في موضع الحال ، وجاز كونه معرفة لفظا لكونه في قوة النكرة ، كأنه قيل : منفردا (٣).
والثاني ـ وهو قول يونس ـ : أنه منصوب على الظرف والتقدير : دعي على حياله (٤). وهو (٥) مصدر محذوف الزوائد ، والأصل أوحدته إيحادا.
قوله (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) حيث حكم عليكم بالعذاب السّرمد. وقوله : (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) يدل على الكبرياء والعظمة الذي لا أعلى منه ولا أكبر.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١٧)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) ليدل على كمال قدرته وحكمته وأنه لا يجوز
__________________
(١) في ب : أنهم.
(٢) انظر الرازي ٢٧ / ٣٩ ، ٤١.
(٣) هذا قول إمام النحاة قال : جعلوا ما أضيف ونصب نحو : خمستهم بمنزلة طاقته وجهده ووحده ، وجعلوا الجماء الغفير بمنزلة العراك. انظر الكتاب ١ / ٣٧٧ وشرح ابن يعيش ٢ / ٦٣.
(٤) وفي الكتاب أيضا : «وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده جعل يونس نصب وحدة كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت «على» فمن ثم قال : هو مثل عنده». المرجع السابق ١ / ٣٧٨ ، ٣٧٧ وفيه ثالث للخليل ، وهو النصب على المصدر وقال سيبويه : وزعم الخليل ـ رحمهالله ـ أنه لم يستعمل.
الكتاب ١ / ٣٧٤ وانظر في هذا أيضا الدر المصون ٤ / ٦٨٠.
(٥) في ب وهي بالتأنيث.