وفيه دقيقة وهو أنه تعالى لما حث على العفو عن الظالم وأخبر أنه لا يحب الظالم وإذا كان لا يحبه وندب غيره إلى العفو عنه فالمؤمن الذي يحبه الله بسبب إيمانه أولى أن يعفو الله عنه (١).
قوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) هذه لام الابتداء ، وجعلها الحوفي وابن عطية للقسم (٢) ، وليس بجيد إذا جعلنا «من» شرطية كما سيأتي ؛ لأنه كان ينبغي أن يجاب السابق ، وهنا لم يجب إلا الشرط. و «من» يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر ، والفاء في «فأولئك» جواب الشرط ، وأن تكون موصولة ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط. و «ظلمه» مصدر مضاف للمفعول وأيدها الزمخشري بقراءة من قرأ : «بعد ما ظلم» مبنيا للمفعول (٣).
فصل
معنى الآية : ولمن انتصر بعد ظلم الظالم إياه فأولئك المنتصرين ما عليهم من سبيل لعقوبة ومؤاخذة ، لأنهم ما فعلوا إلا ما أبيح لهم من الانتصار. واحتجوا بهذه الآية على أن سراية القود مهدرة (٤) لأنه فعل مأذون فيه مطلقا فيدخل تحت هذه الآية.
قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) أي يبدأون بالظلم (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) يعملون فيها بالمعاصي (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(٥٠)
قوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ) الكلام في اللام كما تقدم. فإن جعلناها شرطية فإن جواب
__________________
(١) الرازي ٢٧ / ١٨١.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٥٢٣.
(٣) كشاف الزمخشري ٣ / ٤٧٣.
(٤) الرازي المرجع السابق.