وقرأ طلحة : من الذّلّ ـ بكسر (١) الذال ـ وقد تقدم الفرق بين الذّل والذّل (٢) و (مِنَ الذُّلِّ) يتعلق بخاشعين أي من أجل. وقيل : هو متعلق بينظرون (٣). وقوله : «من طرف» يجوز في «من» أن تكون لابتداء (٤) الغاية ، وأن تكون (٥) تبعيضية وأن تكون بمعنى الباء (٦) ، والظرف قيل : يراد به العضو وقيل : يراد به المصدر يقال : طرفت عينه تطرف طرفا أي ينظرون نظرا خفيّا (٧).
فصل
اعلم أنه ذكر حالهم عند عرضهم على النار ، فقال : خاشعين أي خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل يسارقون النظر إلى النار خوفا منها وذلة في أنفسهم ، كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر أن يملأ عينيه منه ، ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها ، وإذا كانت من بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل.
فإن قيل : إنه قال في صفة الكفار : إنهم يحشرون عميا فكيف قال هاهنا إنهم ينظرون من طرف خفي؟! فالجواب : لعلهم يكونون في الابتداء هاهنا (٨) ثم يصيرون عميا ، أو لعل هذا في قوم وذاك في قوم آخرين. وقيل : معنى ينظرون من طرف خفيّ أي ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا والنظر بالقلب خفيّ.
ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقيل : خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم إلى الجنة. وهذا القول يحتمل أن يكون واقعا في الدنيا ، وإما أن يقولوه يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة ، ثم قال : (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) أي دائم. قال القاضي : هذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب : أن لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر قال تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) والذي يؤكد هذا قوله تعالى بعد هذه الآية : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لتشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة وهذا لا يليق إلا بالكافر (٩).
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ٥٢٤.
(٢) والذّل هو ضد العز والذّل فهو للحيوان.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ٤٧٤.
(٤) قال الزمخشري أن يبتدىء نظرهم من تحريك لأجفانهم السابق.
(٥) نقله أبو حيان وعنه نقل السمين وعنه نقل المؤلف عن قتادة. البحر المحيط ٧ / ٥٢٤.
(٦) نقله الأخفش في معانيه عن يونس ، قال : وقال يونس إن «من طرف» مثل بطرف كما تقول العرب : ضربته في السّيف وبالسّيف» معاني الأخفش ٦٨٧.
(٧) البحر المحيط ٧ / ٥٢٤ والدر ٤ / ٧٦٥.
(٨) في ب بدل ههنا هكذا ، وكذا هي في الرازي.
(٩) انظر الرازي ٢٧ / ١٨٢.