الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما يشاؤه الإنسان أهم ، والأهم واجب التقديم ، وليلي الجنس التي كانت العرب تعده بلاء (ذكر) (١) البلاء ، وأخر الذكور ، فلما أخرهم تدارك تأخيرهم وهم أحقّاء بالتقديم وبالتّعريف ، لأن تعريفهم فيه تنويه وتشهير ، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم. ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حظه من التقديم والتأخير وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتضى آخر فقال : (ذُكْراناً وَإِناثاً) (كما قال : إنّا) (٢)(خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) [الحجرات : ١٣] فجعل فيه (الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(٣).
فصل
قال ابن الخطيب : وفي الآية سؤالات :
الأول : أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور أولا ، ثم قدم الذكور على الإناث ثانيا فما السبب في هذا التقديم والتأخير؟
الثاني : أنه نكّر الإناث وعرف الذكور وقال في الصّنفين معا (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً).
الثالث : لما كان حصول الولد هبة من الله تعالى فيكفي في عدم حصوله أن لا يهب فأيّ حاجة في عدم حصوله إلى قوله : (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً).
الرابع : هل المراد بهذا الحكم جمع معيّنون أو الحكم على الإنسان المطلق؟
والجواب على الأول : أن الكريم يسعى في أن يقع الحتم على الخير والراحة فإذا وهب الأنثى أولا ثم أعطي الذكر بعده فكأنه نقله من الغم إلى الفرح ، وهذا غاية الكرم ، أما إذا أعطي الذكر أولا ثم أعطي الأنثى ثانيا فكأنه نقله من الفرح إلى الغم ، فذكر الله تعالى هبة الأنثى أولا ، ثم ثنّى بهبة الذكر حتى يكون قد نقله من الغم إلى الفرح فيكون أليق بالكرم.
قيل : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ؛ لأن الله بدأ بالإناث وأما تقديم ذكر الذكور على ذكر الإناث ثانيا ؛ لأن الذكر أكمل وأفضل من الأنثى ، والأفضل مقدم على المفضول.
وأما الجواب عن تنكير الإناث وتعريف الذكور فهو أن المقصود منه التنبيه على أن الذكر أفضل من الأنثى وأما قوله (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) وهو أن كل شيئين يقرن أحدهما بالآخر ، فهما زوجان وكل واحد منهما يقال له : زوج والكناية في «يزوّجهم»
__________________
(١) زيادة من الكشاف.
(٢) سقط من أ.
(٣) [القيامة : ٣٩]. وانظر الكشاف ٣ / ٤٧٥.