جعل هذه الأحجار المنحوتة والخشب المصور شركاء لله تعالى في المعبودية ، ثم قال (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ينزل» خفيفة والباقون بالتشديد (١).
واعلم أن أهم المهمّات رعاية مصالح الأديان ومصالح الأبدان ، فالله تعالى يراعي مصالح أديان العباد بإظهار البيّنات والآيات وراعى مصالح العباد بأبدانهم بإنزال الرزق من السماء فموقع الآيات من الأديان كموقع الأرزاق من الأبدان وعند حصولها يحصل الإنعام الكامل.
ثم قال (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي ما يتعظ بهذه الآيات إلا من يرجع إلى الله في جميع أموره فيعرض عن غير الله ويقبل بالكليّة على الله تعالى ولهذا قال (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) عن الشرك ولو كره الكافرون (٢).
قوله تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر «ذو العرش» و (يُلْقِي الرُّوحَ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا ، ويجوز أن يكون الثلاثة أخبارا لمبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون الثلاثة أخبارا لقوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ)(٣) قال الزمخشري : ثلاثة أخبار يجوز أن تكون مترتبة على قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا (٤) ، قال شهاب الدّين: أما الأول ففيه طول الفصل وتعدد الأخبار ، وليست في معنى خبر واحد ، (وأما (٥) الثاني ففيه تعدد الأخبار وليست في معنى خبر واحد) وهي مسألة خلاف ولا يجوز أن يكون (ذُو الْعَرْشِ) صفة «لرفيع الدرجات» إن جعلناه صفة مشبهة ، أما إذا جعلناه مثال مبالغة أي يرفع درجات المؤمنين فيجوز ذلك على أن يجعل إضافته محضة ، وكذلك عند من يجوّز تمحّض إضافة الصفة المشبهة أيضا (٦). وقد تقدم ، وقرىء «رفيع» (٧) بالنصب على المدح.
فصل
لما ذكر من صفات كبريائه كونه مظهرا للآيات منزلا للأرزاق ذكر في هذه الآية
__________________
(١) الإتحاف ٣٧٨.
(٢) وانظر تفسير الفخر ٢٧ / ٤٢.
(٣) انظر هذه الإعرابات في الدر المصون ٤ / ٦٨١ والتبيان ١١١٧ واختار النحاس في الإعراب ٤ / ٢٨ أن يكون «رفيع» خبر مبتدأ محذوف فقط.
(٤) كشاف الزمخشري ٣ / ٤١٩.
(٥) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر والفقرة بكاملها في الدر المصون ٤ / ٦٨٠ ، ٦٨١.
(٦) الدر المصون ٤ / ٦٨١.
(٧) نقلت في البحر والكشاف بدون نسبة لمن قرأ بها وأجازها الأخفش في معانيه عربية ولم يحكها قراءة انطر البحر ٧ / ٤٥٤ والكشاف ٣ / ٤١٧ ومعاني الأخفش ، وانظر أيضا الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٢٢٩ وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٨ والدر المصون ٤ / ٦٨١.