على الابتداء وما قبله الخبر ، أو فاعل بالجار لاعتماده على حرف النفي (١) ، وكأنه وهم في التلاوة فزعم أن القرآن : وما لبشر أن يكلمه مع أنه يمكن الجواب عنه بتكلّف (٢).
و (إِلَّا وَحْياً) يجوز أن يكون مصدرا (٣) أي إلا كلام وحي. وقال أبو البقاء : استثناء منقطع (٤) ؛ لأن الوحي ليس من جنس الكلام. وفيه نظر ؛ لأن ظاهره أنه مفرغ ، والمفرغ لا يوصف بذلك (٥). ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال (٦).
قوله : (أَوْ يُرْسِلَ) قرأ نافع : «أو يرسل» برفع اللام ، وكذلك : فيوحي فسكنت ياؤه.
والباقون بنصبهما (٧). فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه رفع على إضمار مبتدأ أي : أو هو يرسل (٨).
الثاني : أنه عطف على «وحيا» على أنه حال ؛ لأن وحيا في تقدير الحال أيضا فكأنه قال : إلا موحيا أو مرسلا (٩).
الثالث : أن يعطف على ما يتعلق به (مِنْ وَراءِ) ؛ إذ تقديره أو يسمع من وراء حجاب و «وحيا» في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه (أَوْ يُرْسِلَ) ، والتقدير : إلّا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا (١٠).
وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يعطف على المضمر الذي يتعلق به (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) إذ تقديره : أو يكلّمه من وراء حجاب. وهذا الفعل (المقدر) (١١) معطوف على «وحيا» ، والمعنى : إلا بوحي أو إسماع من وراء حجاب أو إرسال رسول.
ولا يجوز أن يعطف على «يكلّمه» لفساد المعنى (١٢) ؛ إذ يصير التقدير : وما كان لبشر أن يرسل الله رسولا ، فيفسد لفظا ومعنى.
وقال مكي : لأنه يلزم منه نفي الرسل ، ونفي المرسل (١٣) إليهم.
الثاني : أن ينصب بأن مضمرة وتكون هي وما نصبته معطوفين على «وحيا»
__________________
(١) التبيان ١١٣٥.
(٢) والتكلف هو جعل كان زائدة.
(٣) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥١.
(٤) التبيان ١١٣٥ ، قال : لأن الوحي ليس بتكليم.
(٥) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٧٦٦.
(٦) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥١.
(٧) وهي قراءة متواترة انظر السبعة لابن مجاهد ٥٨٢ والإتحاف للبناء ٣٨٤ ومعاني الفراء ٣ / ٢٦ ، والبيان ٢ / ٣٥١ والتبيان ١١٣٦.
(٨) البيان والتبيان السابقين والحجة لابن خالويه ٣١٩ ، والكشاف ٢ / ٤٧٤.
(٩) الكشاف قال بذلك المرجع السابق.
(١٠) الدر المصون للسمين ٤ / ٧٦٦.
(١١) سقط من ب.
(١٢) وانظر البحر المحيط لفظا ٧ / ٥٢٧ والكشاف معنى ٣ / ٤٧٤.
(١٣) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٨ وقد نقله أيضا القرطبي في الجامع ١٦ / ٥٣.