ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهو قوله رفيع الدرجات وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع ، فإن حملناه على الأول ففيه وجوه :
الأول : أن الله يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة.
والثاني : يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجة معيّنة كما قال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، وجعل لكل أحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [المجادلة : ١١] وعين لكل جسم درجة معينة فجعل بعضها سفليّة كدرة ، وبعضها فلكية كوكبية ، وبعضها من جواهر العرش والكرسي ، وأيضا جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخلق والخلق والرزق والأجل فقال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥] وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة وفي الآخرة تظهر تلك الآثار. وإن جعلنا «الرفيع» على «المرتفع» فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال. وقوله (ذُو الْعَرْشِ) أي خالقه ومالكه ومدبره ، و (يُلْقِي الرُّوحَ) أي ينزل الوحي من السماء روحا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح (١) وقوله (مِنْ أَمْرِهِ) متعلق ب «يلقي» ، و «من» لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من «الروح» (٢).
فصل
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : معنى من أمره أي من قضائه ، وقيل : من قوله. وقال مقاتل بأمره على من يشاء من عباده (٣). وقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) العامة على بنائه للفاعل ، ونصب اليوم والفاعل هو الله تعالى أو الروح أو (مَنْ يَشاءُ) أو الرسول ، ونصب «اليوم» إما على الظرفية والمنذر به محذوف تقديره لينذر العذاب يوم التلاق ، وإما على المفعول به اتساعا في الظرف (٤) وقرأ أبيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم (٥) على الفاعلية مجازا أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق. وقرأ الحسن واليمانيّ «لتنذر» ـ بالتاء من فوق (٦) ـ وفيه وجهان :
أحدهما : أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
__________________
(١) الرازي ٢٧ / ٤٢ ، ٤٣.
(٢) الدر المصون ٤ / ٦٨١ والتبيان ١١١٦.
(٣) البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٩١.
(٤) أورد هذه الإعرابات شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٦٨١.
(٥) نقلها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤١٩ وأبو حيان في البحر ٧ / ٤٥٥.
(٦) السابقين وانظر مختصر ابن خالويه ١٣٢ وانظر هذه القراءات أيضا كلها في الدر المصون ٤ / ٦٨١ ، وانظر قراءة الخطاب في معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٦٩.