الله؟ قال : العبد إذا قال لا إله إلا أنت ظلمات نفسي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو (١).
فصل
دلت هذه الآية على خلاف قول المجبّرة من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) فذكره بلام «كي» وهذا يدل على أنه أراد منا هذا الفعل وهذا يدل على باطلان قولهم : إنه تعالى أراد الكفر منه.
الثاني : قوله «لتستووا» يدل على أن فعله معلّل بالأغراض.
الثالث : أنه تعالى بين أن خلق هذه الحيوانات على هذه الطبائع إنما كان لغرض أن يصدر الشكر عن العبد ولو كان فعل العبد فعلا لله لكان معنى الآية إني خلقت هذه الحيوانات على هذه الطبائع لأجل أن (٢) أخلق سبحان الله في لسان العبد. وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قادر على أن يخلق هذا اللفظ في لسانه بدون هذه الوسائط (٣).
قال ابن الخطيب : «الكلام على هذه الوجوه معلوم مما تقدم فلا فائدة في الإعادة» (٤).
قوله : (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي لمصيّرون في المعاد (٥). ووجه اتصال الكلام بما قبله أن راكب الفلك في خطر الهلاك وراكب الدابة كذلك أيضا ؛ لأن الدابة قد يحصل لها ما يوجب هلاك الراكب ، وكذا السفينة قد تنكسر ، ففي ركوبهما تعريض النفس للهلاك فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت ، ويقطع أنه هالك ، وأنه منقلب إلى الله ، وغير منقلب من قضائه وقدره ، فإذا اتفق له ذلك (المحذور) (٦) كان قد وطن نفسه على الموت (٧).
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)(١٧) (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ
__________________
(١) رواه علي بن أبي ربيعة عن علي بن أبي طالب انظر القرطبي ١٦ / ٦٨.
(٢) في ب أني وما ذكر أعلى كما قاله الإمام الرازي في التفسير الكبير.
(٣) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ١٩٩ وقد نقله عن صاحب الكشاف ولم أعثر عليه فيه.
(٤) المرجع السابق.
(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٠٦.
(٦) زيادة من الرازي لتوضيح السياق.
(٧) الرازي ٢٧ / ٢٢٠.