الولد لله محال ، وبتقدير أن ثبت الولد فجعله بنتا محال أيضا.
أما بيان أن إثبات الولد لله محال ؛ فلأن الولد لا بدّ وأن يكون جزءا من الوالد ، ولمّا (١) كان له جزء كان مركبا ، وكل مركب ممكن وأيضا ما كان كذلك ، فإنه يقبل الاتّصال والانفصال والاجتماع والافتراق وما كان كذلك فهو محدث عبد ، فلا يكون إلها قديما أزليّا (٢).
وأما المقام الثاني وهو أن يكون لله ولد فإنه يمتنع أن يكون بنتا ، لأن الابن أفضل من البنت فلو اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده لزم أن يكون حال العبد أفضل وأكمل من حال الله ، وذلك مدفوع ببديهة العقل (٣).
قوله : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ) تقدم نظيره (٤). قال الزمخشري : «وقرىء هنا : وجهه مسودّ ومسوادّ بالرفع على أنها جملة في موضع خبر «ظل» ، واسم «ظل» ضمير الشأن»(٥).
فصل
والمعنى بما ضرب للرحمن مثلا ، أي جعل لله شبها ؛ لأنّ ولد كلّ شيء يشبهه ، (ظَلَّ وَجْهُهُ) أي صار وجهه (مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) من الحزن والغيظ (٦). والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته (٧)؟ روي أن بعض العرب هجر بيته حين وضعت امرأته بنتا فقالت المرأة :
٤٣٩٨ ـ ما لأبي حمزة لا يأتينا |
|
يظلّ في البيت الّذي يلينا |
غضبان أن لا نلد البنينا |
|
ليس لنا من القضاء ما شينا |
وإنّما نأخذ ما أعطينا (٨) |
__________________
(١) في ب والرازي : وما كان له جزء ، بدون اللام.
(٢) كذا في الرازي وفي ب فقط أوليا.
(٣) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ٢٠١.
(٤) وهو قوله تعالى في سورة النحل الآية (٥٨) «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» أي بأن ولدت له بنت ، ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له : قد ولدت له أنثى اغتم ، واربدّ وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب.
(٥) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٨٢.
(٦) المرجع السابق.
(٧) قاله الرازي في تفسيره الكبير ٢٧ / ٢٠١.
(٨) ذكر هذه الأبيات الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٨٢ وهي : أرجاز لامرأة حمزة الضبي ، وانظر البيان والتبيين للجاحظ ١ / ١٦٣ ، وشرح شواهد الكشاف ٥٥٨ ، ٥٥٩ والفخر الرازي ٢٧ / ٢٠٢ وفي هذه المراجع : من أمرنا ما شينا. وفي النسختين : من القضاء.