قوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ...) يجوز في «من» وجهان :
أحدهما : أن تكون في محل نصب مفعولا بفعل مقدر ، أي : أو تجعلون من ينشّأ في الحلية.
والثاني : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره أو من ينشّأ جزء أو ولد ، إذ جعلوا الله جزءا(١).
وقال البغوي : يجوز أن يكون من في محل خفض ردّا على قوله : مما يخلق ، وقوله : «بما ضرب» (٢). وقرأ العامة ينشأ ـ بفتح الياء وسكون النون ـ من نشأ في كذا ينشأ فيه. والأخوان(٣) وحفص بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين مبنيا للمفعول أي يربّى وقرأ الجحدريّ كذلك ، إلا أنه خفف الشين أخذه من أنشأه (٤). والحسن : يناشأ كيقاتل ، مبنيا للمفعول (٥). والمفاعلة تأتي بمعنى الإفعال ، كالمعالاة بمعنى الإعلاء (٦).
فصل
المراد من هذا الكلام التنبيه على نقصانها (٧) والمعنى : أن الذي يتربى (٨) في الحلية والزينة يكون ناقص الذات ؛ لأنه لولا نقصانها في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية ، ثم بين نقصان حالها بطريق آخر وهو قوله : (وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ)(٩) الجملة حال. و (فِي الْخِصامِ) يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده تقديره وهو لا يبين في الخصام أي الحجة ويجوز أن يتعلق «بمبين» (١٠) وجاز للمضاف إليه أن يعمل
__________________
(١) قال بهذين الوجهين أبو البقاء في التبيان ١٠٣٨ والسمين في الدر المصون نقلا عنه ٤ / ٧٧٦ ، وأبو حيان في البحر ٨ / ٨ كما قال به قبل الفراء في المعاني ٣ / ٢٩ كما قال به ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٢.
(٢) انظر معالم التنزيل للبغوي.
(٣) معروف أنهما حمزة والكسائي وقد ذكر في الإتحاف هذه القراءات الأربع جميعا انظر الإتحاف ٣٨٥ وذكر القرائتين الأوليين وهما متواترتان ابن خالويه في الحجة ٣٢٠ ، وابن مجاهد في السبعة ٥٨٤ فضلا عن البناء في الإتحاف السابق.
(٤) ذكرها مع صاحب الإتحاف ابن خالويه في المختصر ١٣٤ من الشواذ.
(٥) السابقين وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٨٢ والبحر ٨ / ٨.
(٦) البحر المحيط ٨ / ٨ المرجع السابق.
(٧) أي الحلية.
(٨) كذا هو الأصح من ب والرازي وفي أالجاهلية تحريف غير مقصود.
(٩) قال الرازي : يعني أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها. انظر الرازي ٢٧ / ٢٠٢.
(١٠) ذكر هذين الوجهين العكبري في التبيان ١٠٣٨.