أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٢٥)
قوله : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما ..) الآية. قرأ ابن عامر وحفص قال ماضيا مكان «قل» أمرا ، أي قال النذير أو الرسول وهو النبي صلىاللهعليهوسلم (١).
والأمر في «قل» يجوز أن يكون للنذير ، أو الرسول وهو الظاهر. وقرأ أبو جعفر وشيبة : جئناكم بنون المتكلمين (٢) «بأهدى» أي بدين أصوب (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) وإن جئتكم بأهدى منه فعند هذا حكى الله عنهم أنهم قالوا : إنا لا ننفك عن دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وإن كان أهدى مما كنا عليه فعند هذا لم يبق لهم عذر ، فلهذا قال تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وهذا تهديد للكفار(٣).
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٢٨)
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) لما بين في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار حجة إلا تقليد الآباء ، ثم بين أنه طريق باطل ، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد أردفه بهذه الآية ، وهو وجه آخر يدل على فساد التقليد من وجهين :
الأول : أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه تبرأ من دين آبائه بناء على الدليل وذلك أن تقليد الآباء في الأديان إما أن يكون محرما أو جائزا. فإن كان محرما فقد بطل القول بالتقليد ، وإن كان جائزا فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم لا يشرفو (ن) ولا يفتخرو (ن) إلا بكونهم من أولاده. وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء. وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره فنقول: إنه ترك دين الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء ، فوجب تقليده في ترجيح الدليل على التقليد (٤).
الوجه الثاني : أنه تعالى بين أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما عدل عن طريقة
__________________
(١) قراءة سبعية متواترة ، ذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٨٥. ومكي في الكشاف ٢ / ٢٥٨ وانظر أيضا الإتحاف ٣٨٥ ، وابراز المعاني ٦٧٩ والنشر ٢ / ٣٦٩.
(٢) قراءة عشرية انظر الإتحاف والنشر المرجعين السابقين.
(٣) الرازي ٢٧ / ٢٠٦ و ٢٠٧.
(٤) المرجع السابق نفسه.