قوله : (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) خاصة ، يعني الجنة للمتقين عن حب الدنيا. قال عليه الصلاة والسلام : «لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا قطرة ماء»(١).
وروى المستورد (٢) بن شداد قال : كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على السحلة الميتة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أترى هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا : من هوانها ألقوها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فالدّنيا أهون على الله من هذه على أهلها».
فإن قيل : لما بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سببا لاجتماع الناس على الكفر (٣) ، فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سببا لاجتماع الناس على الإسلام؟!.
فالجواب : لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام ، لطلب الدنيا ، وهذا الإيمان إيمان المنافقين ، فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل الإسلام فإنما يدخل لمتابعة الدليل ، ولطلب رضوان الله تعالى ، فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب(٤).
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٠)
قوله : (وَمَنْ يَعْشُ) العامة على ضم الشين من عشا يعشو ، أي يتعامى ، ويتجاهل.
وعن ابن عباس وقتادة ويحيى بن سلّام (٥) بفتح الشين بمعنى يعم ، يقال : عشي يعشى
__________________
ـ حذف اللام الفارقة التي تفرق بين إن المخففة من الثقيلة من غيرها ، والأصل : «لكانت» حيث دل دليل على الإثبات كما ذكر أعلى وانظر الهمع ١ / ١٤ وابن الناظم ٦٨ ، والتصريح ١ / ٢٤١ والبحر المحيط ٨ / ١٥ والدر المصون ٤ / ٧٨٢ ، وشرح الشواهد للعيني على الأشموني ١ / ٢٨٩.
(١) هو لسهل بن سعد عن رسول الله ، انظر ابن ماجه ٢ / ١٣٧٧.
(٢) ابن عمرو بن حبيب بن شيبان القرشي الفهريّ صحابيّ ، له سبعة أحاديث مات سنة ٤٥ انظر خلاصة الكمال ٢٧٤.
(٣) في ب على الإسلام.
(٤) انظر الرازي ٢٧ / ٢١٢.
(٥) ابن أبي ثعلبة البصريّ صاحب التفسير ، روى الحروف عن أصحاب الحسن البصري عن الحسن بن دينار ، وغيره ، له اختيار في القراءة من طرق الآثار ، روى عن حماد بن سلمة ، وهمّام بن يحيى ، كان ثقة ، ديّنا ، ثبتا ، ذا علم مات سنة ٢٠٠ ه انظر الغاية في طبقات القراء ٢ / ١٠٧٢.