الثالث : قال الزمخشري : فإن قلت : هو كلام مناقض ؛ لأن معناه ما من آية من التّسع إلا وهي أكبر من كل واحدة ، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.
قلت : الغرض بهذا الكلام وصفين (١) بالكبر ، لا يكدن يتفاوتن فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتقارب (٢) في الفضل التقارب اليسير تختلف آراء الناس في تفضيلها ، فبعضهم يفضل هذا وبعضهم يفضّل هذا ، وربما اختلف آراء الواحد فيها ، كقول الحماسي :
٤٤١٠ ـ من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم |
|
مثل النّجوم الّتي يهدى بها السّاري (٣) |
وقالت الأنبارية في الجملة من أبنائها (٤) : ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل ، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها (٥). انتهى كلامه (٦).
وأوله فظيع جدا ، كأن العبارات ضاقت عليه حتى قال ما قال ، وإن كان جوابه حسنا فسؤاله فظيع (٧).
فصل
ذكر أنه تعالى أرسل موسى بآياته ، وهي المعجزات التي كانت مع موسى إلى فرعون وملئه أي قومه فقال موسى : (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ). فلمّا جاءهم بتلك الآيات (إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) استهزاء قيل : إنه لما ألقى عصاه صار ثعبانا ، ثم أخذه فصار عصا كما كان فضحكوا. ولما عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت (٨) ضحكوا.
__________________
(١) في الكشاف : أنهن موصوفات.
(٢) وفيه : التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها في التفاوت اليسير أن.
(٣) من البسيط لعبيد بن العرندس وفي الكشاف : يسري بدل يهدى والمعنى : أن هؤلاء الناس قد بلغوا غاية عظيمة في المجد والشرف والسمعة حتى أن الرائي لواحد منهم يحسبه سيدا وما هو به ، وكذا جاء التنظير بالبيت في الكلام عن الآية فهؤلاء الناس عند ما رأوا هذه الآيات وجدوها معجزة متناهية في العظم لا فرق بين واحدة وأخرى. وانظر الكشاف ٣ / ٤٩١ وشرح شواهده ٤٢٢ والدر المصون ٤ / ٧٩٠ وفتح القدير للشوكاني ٤ / ٥٥٩ ، وكامل المبرد ١ / ٧٨ و ٧٩ والحماسة البصرية ١ / ٤٧٨ وأمالي القالي ١ / ٢٣٩.
(٤) الكشاف : وقد فاضلت الأنبارية بين الكلمة من بنيتها.
(٥) أي فرق بين واحد وآخر ، ولم أستطع أن أميز واحدا بالحب على الآخر. وانظر شرح المفصل لابن يعيش ٧ / ١٠٠.
(٦) باللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٩٠ وبالمعنى من الكشاف ٢ / ٤٩١.
(٧) هذا انتقاص من الدر المصون للكشاف ولصاحبه.
(٨) وانظر الرازي ٥٧ / ٣١٨.