وقيل : بل هي جمع أسورة فهي جمع الجمع (١). وقرأ أبي والأعمش ـ وتروى عن أبي عمرو ـ أساور دون تاء (٢). وروي عن أبي أيضا وعبد الله : أساوير (٣). وقرأ الضحاك : ألقى مبنيا للفاعل (٤) ، أي الله تعالى وأساورة نصبا على المفعولية و «من ذهب» صفة لأساورة. ويجوز أن تكون «من» الداخلة على التمييز (٥).
فصل
ومعنى الكلام أن عادتهم جرت بأنهم إذا جعلوا واحدا منهم رئيسا لهم سوّروه بسوار من ذهب وطوّقوه بطوق من ذهب ، فطلب فرعون من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مثل عادتهم ، وحاصل الكلام أن فرعون كان يقول : أنا أكثر منه مالا وجاها فوجب أن أكون أفضل منه فيمتنع كونه رسولا من عند الله لأن منصب النبوة يقتضي المخدوميّة ، والأخسّ لا يكون مخدوما للأشرف ثم قال : «أو جاء معه الملائكة مقترنين» متتابعين يعاون بعضهم بعضا يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره ويجوز أن يكون المراد مقترنين به من قولك : قرنته به (٦).
قوله تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) أي وجدهم جهّالا فحملهم على الخفة والجهل ، يقال : استخفه عن رأيه ، إذا حمله على الجهل (٧) وأزاله عن الصواب «فأطاعوه» على تكذيب موسى ، (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) حيث أطاعوا ذلك الفاسق الجاهل.
قوله : (فَلَمَّا آسَفُونا) أغضبونا. حكي أن أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له : أتغضب يا أبا خالد؟ فقال قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله تعالى يقول : فلمّا آسفونا أي أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ)(٨) واعلم أن ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى ، وذكر لفظ الانتقام كل واحد منهما من المتشابهات التي يجب تأويلها فمعنى الغضب في حق الله تعالى إرادة الغضب ومعنى الانتقام إرادة العقاب بجرم سابق (٩).
__________________
(١) قال الفراء : وقد تكون الأساور جمع أسورة ، كما يقال في جمع الأسقية أساقي وفي جمع الأكرع أكارع معاني الفراء ٣ / ٣٥.
(٢) لم أجدها في المتواتر عن أبي عمرو انظر مختصر ابن خالويه ١٣٥ عن الأعمش فقط وعن المطوعي في الإتحاف ٣٨٦.
(٣) السابق وأيضا شواذ القرآن ٢١٨ والكشاف ٣ / ٩٤٣.
(٤) السابق بدون نسبة ونسبها صاحب البحر ٨ / ٢٣.
(٥) أي من البيانية وحينئذ يجوز في غير القرآن : أسورة ذهبا.
(٦) انظر كل هذا في الرازي المرجع السابق ٢٧ / ٢١٩.
(٧) ويقال : استخفّه الفرح أي أزعجه ، واستخفّه أي حمله على الجهل ، ومنه «وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» انظر اللسان خفف.
(٨) القرطبي ١٦ / ١٠١.
(٩) السابق.