مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : بل أهو خير. وليست «أم» حينئذ عاطفة (١).
فصل
قال قتادة معنى قوله : «أم هو» يعنون محمدا فنعبده ونترك آلهتنا. وقال السدي وابن زيد: أم هو يعني عيسى قالوا يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير ، والملائكة في النار (٢) ، قال الله تعالى : (ما ضَرَبُوهُ) يعني هذا المثل : «لك إلّا جدلا» أي خصومة بالباطل ، فقد علموا أن المراد من قوله : (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] هؤلاء الأصنام (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) مبالغون في الخصومة. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» ثم قرأ : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٣).
قوله : «جدلا» مفعول من أجله ، أي لأجل الجدل والمراء ، لا لإظهار الحق ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال أي إلا مجادلين (٤). وقرأ ابن مقسم : جدالا (٥) والوجهان جاريان فيه. والظاهر أن الضمير في «هو» لعيسى كغيره من الضمائر. وقيل : هو للنبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبكلّ قال به المفسرون كما تقدم (٦).
فصل
تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية ، والآيات الكثيرة دالة على مدح الجدل فالتوفيق بينهما أن تصرف الآيات الدالة على مدح الجدل إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق وتصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل.
قوله (تعالى) (٧) : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ) أي ما هو يعني عيسى «إلّا عبد» كسائر العبيد (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) حيث جعلناه آية ، بأن خلقناه من غير ذكر كما خلقنا آدم ، وشرفناه بالنبوّة (٨)(وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) أي آية وغيره (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خلقه من غير أب (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) أي لو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم
__________________
(١) السابق.
(٢) القرطبي ١٦ / ١٠٤.
(٣) رواه الترمذي في صحيحه عن أبي أمامة. وانظر أيضا القرطبي ١٦ / ١٠٤.
(٤) ذكر هذين الوجهين في الكشاف ٣ / ٤٩٣ و ٤٩٤.
(٥) من القراءة الشاذة. البحر المحيط ٨ / ٢٥ والقرطبي السابق وأيضا شواذ القرآن ٢١٨.
(٦) كما سبق منذ قليل والدر المصون ٤ / ٧٩٧.
(٧) زيادة من أ.
(٨) انظر كل هذا في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٢٢٢.