(وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أحكام التوراة (١).
قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى. قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه (٢).
وقيل : كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التكاليف ، واتفقوا على أشياء فجاء عيسى ليبين لهم الحقّ في تلك المسائل الخلافية (٣).
قال ابن الخطيب : وبالجملة فالحكمة معناها أصول الدين ، وبعض الذي يختلفون فيه معناه فروع الدين (٤).
فإن قيل : لم لم يبيّن لهم كلّ الذي يختلفون فيه؟
فالجواب : لأن الناس قد اختلفوا في أشياء لا حاجة لهم إلى معرفتها فلا يجب على الرسول بيانها. ولما بين لهم الأصول والفروع قال : (فَاتَّقُوا اللهَ) من الكفر والإعراض عن دينه «وأطيعوه» فيما أبلغة إليكم من التكاليف ، (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ، فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) أي الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم الملكانيّة (٥) واليعقوبية (٦) والنسطورية (٧) ، وقيل : اليهود والنصارى (٨)(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وهو وعيد يوم الأحزاب.
فإن قيل : الضمير في قوله : «بينهم» إلى من يرجع؟
فالجواب : إلى الذين خاطبهم عيسى في قوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) وهم قومه.
قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ)(٧٣)
قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي أنها تأتيهم لا محالة ، فكأنهم
__________________
(١) القرطبي المرجع السابق.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٨.
(٣) وهو رأي الإمام الرازي ٢٧ / ٢٢٣.
(٤) قاله في مرجعه السابق.
(٥) قالوا : ثالث ثلاثة.
(٦) قالوا : هو الله.
(٧) قالوا : هو ابن الله وانظر هذا الرأي الفرقيّ في القرطبي ١٦ / ١٠٩ وهو منسوب لمقاتل والكلبي.
(٨) قاله مجاهد والسدي. المرجع السابق.