مرة بعد أخرى تكميلا لرغباتهم ، وتقوية لدواعيهم. و «من» في قوله : (مِنْها تَأْكُلُونَ) تبعيضية (١) ، أو ابتدائية (٢). وقدم الجار لأجل الفاصلة.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠)
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) لما ذكر الوعد أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن. واحتج القاضي على القطع بوعيد الفساق بهذه الآية فقال : لفظ المجرم يتناول الكافر والفاسق ، فوجب كون الكل في عذاب جهنم.
وقوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ، و «خالدون» بدل على الخلود. والجواب : أن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من لفظ المجرم ههنا الكافر. فأما قبل الآية فقوله : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. الّذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين. وهذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكان مسلما ، فإنه يدخل تحت قوله : (يا) عبادي (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله وآياته وأسلم فوجب أن يدخل تحت ذلك الوعد ، وأن يخرج من هذا الوعيد. لكن وأما بعد الآية فقوله تعالى : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) والمراد بالحقّ ههنا إما الإسلام وإما القرآن ، والرجل المسلم لا يكره الإسلام ولا القرآن. فثبت أن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من المجرمين الكفار. والله أعلم (٣).
قوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) جملة حالية وكذلك (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(٤) وقرأ عبد الله : «وهم فيها» (٥) أي في النار لدلالة العذاب عليها. واعلم أنه قد تقدم أن الخلود عبارة عن طول المكث ، ولا يفيد الدوام.
وقوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أي لا يخفف فلا ينقص من قولهم : فترت عنه الحمّى إذا سكنت ونقص حرّها (٦).
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٦.
(٢) قاله السمين في الدر المصون ٤ / ٨٠٠.
(٣) انظر هذا في تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٦.
(٤) الدر المصون السابق.
(٥) قراءة شاذة غير متواترة ذكرها الفراء في معاني القرآن ٣ / ٣٧.
(٦) اللسان فتر (٣٣٤٠ و ٣٣٤١).