فصل
قال ابن الخطيب : وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في السماء لأنه تعالى بين في هذه الآية أن نسبته بإلهية السماء كنسبته إلى الأرض ، فلما كان إلها للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك وجب أن يكون إلها للسماء مع أنه لا يكون مستقرا فيها.
فإن قيل : أيّ تعلق لهذا الكلام بنفي الولد عن الله عزوجل؟
فالجواب : تعلّقه به أنه تعالى خلق عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بمحض كن فيكون من غير واسطة النطفة والأب (١) فكأنه قيل : إن كان هذا القدر (٢) لا يوجب كون عيسى ولدا لله عزوجل ؛ لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السماوات والأرض مع انتفاء حصول الولد به هناك. ثم قال : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الحكيم في تدبير خلقه العليم بمصالحهم. وقد تقدم في سورة الأنعام أن كونه حكيما عليما ينافي حصول الولد له.
قوله : «تبارك» إما أن يكون مشتقا من وجوب البقاء ، وإما من كثرة الخير ، وعلى التقديرين فكل واحد من الوجهين ينافي كون عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ واجب البقاء والدوام ؛ لأنه حدث بعد أن لم يكن ثم عند النصارى أنه قتل ومات ومن كان كذلك لم يكن بينه وبين الباقي الأزلي الدائم مجانسة ومشابهة فامتنع كونه ولدا له ، وإن كان المراد بالبركة كثرة الخيرات مثل كونه خالقا للسماوات والأرض وما بينهما فعيسى لم يكن خالقا لهما مع أن اليهود عندهم أخذوه وقتلوه وصلبوه ، والذي هذا صفته كيف يكون ولدا لمن كان خالقا للسّموات والأرض وما بينهما؟ ثم قال : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) والمقصود منه التنبيه على أن كل من كان كاملا في الذات ، والعلم ، والقدرة على الوصف المشروح فإنه يمتنع (٣) أن يكون ولده في العجز وعدم القدرة عن أحوال العالم (٤) بالحد الذي وصفته النصارى به (٥).
قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قرأ الأخوان ، وابن كثير بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق (٦) وهو في كلاهما مبني للمفعول. وقرىء بالخطاب مبنيا للفاعل (٧).
__________________
ـ قوله : في السّماء وفي الأرض ، كما تقول حاتم في طيىء ، حاتم في تغلب». الكشاف ٣ / ٤٩٧.
(١) في النسختين والآن والتصويب من الرازي.
(٢) كذا في الرازي وفي ب القيد.
(٣) في ب ممتنع بلفظ الاسمية.
(٤) كذا في النسختين وفي الرازي : وعدم الوقوف على أحوال العالم على الحد الذي وصفه ...
(٥) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٣٢.
(٦) من متواتر القراءات ذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٨٩ والبناء في الإتحاف ٣٨٧ ، والكشاف ٢ / ٢٦٢.
(٧) لم ينسبها صاحب البحر ٨ / ٢٩ ونسبها صاحب الإتحاف إلى يعقوب ٣٨٧ وكذلك نسبها ابن الجزري في النشر إليه. انظر النشر ٢ / ٣٧٠ فهي إذن من المتواتر.