قوله : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ) قرأ العامة يدعون بياء الغيبة ، والضمير للموصول. والسّلميّ وابن وثّاب بتاء الخطاب (١). والأسود بن يزيد (٢) بتشديد الدال ، ونقل عنه القراءة مع ذلك بالياء والتاء (٣).
وقوله : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) فيه قولان :
أحدهما : أنه متصل ، والمعنى إلا من شهد بالحقّ ، كعزير ، والملائكة فإنهم يملكون الشفاعة بتمليك الله إياهم لها (٤) وقيل : هو منقطع بمعنى أن هؤلاء لا يشفعون إلا فيمن شهد بالحق أي لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء كذا قدروه (٥). وهذا التقدير يجوز فيه أن يكون الاستثناء متصلا على حذف المفعول تقديره : ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة في أحد إلّا فيمن شهد (٦).
فصل
ذكر المفسرون قولين في الآية :
أحدهما : أن الذين يدعون من دونه الملائكة وعيسى ، وعزير ، لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق.
الثاني : روي أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا : إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمّد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمعنى لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد.
ثم استثنى فقال : إلّا من شهد بالحق أي الملائكة وعيسى وعزير ، فإنهم يشفعون. فعلى الأول : تكون «من» في محل جر ، وعلى الثاني تكون «من» في محل رفع. والمراد بشهادة الحق قول : لا إله إلا الله كلمة التوحيد (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم (٧).
قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) الآية ظن قوم أن هذه الآية
__________________
(١) شاذة غير متواترة ابن خالويه ١٣٦.
(٢) ابن قيس بن يزيد أبو عمرو النخعي الكوفي الإمام الجليل. قرأ على عبد الله بن مسعود ، وروى عن الخلفاء الأربعة وقرأ عليه النخعي مات سنة ٧٥ ه. انظر غاية النهاية ١ / ١٧١.
(٣) البحر ٨ / ٢٩ وابن خالويه ١٣٦.
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٨ ونقله عنه أبو حيان في البحر ٨ / ٢٩.
(٥) هذا التقدير نقله أبو حيان عن مجاهد وغيره انظر البحر المحيط المرجع السابق ، والكشاف ٣ / ٤٩٨ والقرطبي ١٦ / ١٢٢.
(٦) قاله أيضا أبو حيان في بحره المرجع السابق ، وانظر في هذا كله الدر المصون للسمين ٤ / ٨٠٦.
(٧) وانظر تفسير الرازي ٢٢ / ٢٣٢ و ٢٣٣ والقرطبي ١٦ / ١٢٢.