وقيل : إنّا كنّا (منذرين) مستأنف ، أو جواب ثان من غير عاطف (١).
قوله : «يفرق» يجوز أن تكون مستأنفة ، وأن تكون صفة لليلة وما بينهما اعتراض (٢).
قال الزمخشري : فإن قلت : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (فِيها يُفْرَقُ) ما موقع هاتين الجملتين؟.
قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) كأنه قيل : أنزلناه ؛ لأن من شأننا الإنذار والتحذير ، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة ، وهذه الليلة يفرق فيها كل أمر حكيم (٣).
وقرأ الحسن ، والأعرج والأعمش : يفرق بفتح الياء ، وضمّ الراء «كلّ» بالنصب ، أي يفرق الله كلّ أمر (٤). وزيد بن علي : نفرق ـ بنون العظمة ـ «كلّ» بالنصب (كذا) نقله الزمخشري (٥). ونقل عنه الأهوازي (٦) بفتح الياء وكسر الراء كلّ بالنصب (٧) حكيم بالرفع على أنه فاعل يفرق. وعن الحسن والأعمش أيضا يفرّق كالعامة ، إلا أنه بالتشديد (٨).
فصل
استدلوا بهذه الآية على حدوث القرآن من وجوه :
الأول : أن قوله حم تقديره : هذه حم يعني هذا شيء مؤلّف من هذه الحروف والمؤلف من الحروف المتعاقبة محدث.
الثاني : أنه ثبت أن الحلف لا يصح بهذه الأشياء ، بل بإله هذه الأشياء فيكون التقدير : وربّ حم وربّ الكتاب المبين ، وكلّ ما كان مربوبا فهو محدث.
الثالث : أنه وصفه بكون «كتابا» ، والكتاب مشتق من الكتب ، وهو الجمع فمعناه أنه مجموع ، والمجموع محلّ تصرف الغير. وما كان كذلك فهو محدث.
__________________
(١) حكاه أبو البقاء في التبيان ١١٤ وانظر الدر المرجع السابق أيضا.
(٢) الدر المصون السابق.
(٣) الكشاف معنى ٣ / ٥٠٠.
(٤) شاذة غير متواترة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٧ وشواذ القرآن ٢١٩.
(٥) الكشاف ٣ / ٥٠٠ ، وشواذ القرآن ٢١٨.
(٦) الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزيد الأستاذ أبو علي الأهوازيّ صاحب المؤلفات شيخ القراء في عصره قرأ على إبراهيم بن أحمد الطبري ، ومحمد بن فيروز الكرخي وعليه أبو علي الحسن بن قاسم وأبو القاسم الهذلي مات سنة ٤٤٦ ه. انظر الغاية ١ / ٢٢٠ ، ٢٢٢.
(٧) البحر المحيط ٨ / ٣٣.
(٨) السابق والكشاف ٣ / ٥٠٠.