السماوات والأرض ربّ خالق فقيل لهم : إن إرسالنا الرسل وإنزالنا الكتب رحمة من الربّ ثم قال(١): إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ، ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم ويقين ، كما تقول : هذا إنعام زيد الّذي تسامع الناس بكرمه إن (٢) بلغك حديثه وسمعت بصيته (٣). والمعنى إن كنتم موقنين بقوله. (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ، وأن إقرارهم غير صادر عن علم ويقين ولا عن حد وحقيقه بل قول مخلوط بهزء ولعب(٤).
قوله تعالى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ) العامة على الرفع ، بدلا أو بيانا أو نعتا لرب السماوات فيمن رفعه أو على أنه مبتدأ ، والخبر : لا إله إلا هو. أو خبر بعد خبر ، لقوله : إنه هو السميع أو خبر مبتدأ مضمر عند الجميع ، أعني قراء الجر والرفع ، أو فاعل لقوله : «يميت». وفي «يحيي» ضمير يرجع إلى ما قبله أي يحيي هو أي رب السماوات ، ويميت هو ، فأوقع الظاهر موقع المضمر. ويجوز أن يكون «يحيي ويميت» من التنازع يجوز أن ينسب الرفع إلى الأول أو الثاني ، نحو : يقوم ويقعد زيد. وهذا عنى أبو البقاء بقوله : على شريطة التفسير (٥). وقرأ ابن محيصن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة والحسن بالجر (٦) ، على البدل أو البيان أو النعت لرب السماوات ، وهذا يوجب أن يكونوا يقرأون رب السماوات بالجر. والأنطاكي (٧) بالنصب على المدح.
قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)(١٦)
قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ) «يوم» منصوب بارتقب على الظرف ، ومفعول الارتقاب محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وهو قوله : هذا عذاب أليم ، أي ارتقب
__________________
(١) في الكشاف ثم قيل بالياء.
(٢) في ب أي.
(٣) كذا في النسختين وفي الكشاف : بقصته.
(٤) الكشاف ٣ / ٥٠١.
(٥) البحر المحيط لأبي حيان ٨ / ٣٣ والتبيان ١١٤٥ والدر المصون ٤ / ٨١١.
(٦) من القراآت الأربع فوق العشر المتواترة ، الإتحاف ٣٨٨ والبحر ٨ / ٣٣ ومختصر ابن خالويه ١٣٧ وانظر في هذه القراءة مع الإعراب أيضا تفسير الجامع للقرطبي ١٦ / ١٢٩.
(٧) هو أحمد بن جبير بن أحمد أبو جعفر الكوفي نزيل أنطاكية ، أخذ عرضا وسماعا عن الكسائي وغيره وقرأ عليه محمد بن العباس بن شعبة وغيره ، مات سنة ٢٥٨ ه. انظر غاية النهاية ١ / ٤٢ ، ٤٣ ، وذكرها أبو حيان في البحر ٨ / ٣٤ والسمين في الدر ٤ / ٨١١.