بفعل مقدر أي نبطش بهم الملائكة ، فيبطشون البطشة (١). والبطش الأخذ بالشدة وأكثر ما يكون بوقع الضرب المتتابع ثم صار بحيث يشتمل في اتصال الآلام المتتابعة (٢).
فصل
في المراد بهذا اليوم قولان :
الأول : أنه يوم بدر ، وهو قول ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل ، وأبي العالية (وذلك) (٣) أن كفار مكة لما أزال الله تعالى عنهم القحط والجوع عادوا إلى التكذيب ، فانتقم الله منهم يوم بدر.
الثاني : أنه يوم القيامة. قال ابن الخطيب : وهذا القول أصح ؛ لأن يوم بدر ، لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف بهذا الوصف العظيم ، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة ، لقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ)) (٤) [غافر : ١٧].
قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ)(٣٣)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ...) لما بين أن كفار مكة يصرّون على كفرهم بين أن كثيرا من المتقدمين أيضا كانوا كذلك ، وبين حصول هذه الصفة في أكثر قوم فرعون.
قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا) بالتشديد على المبالغة ، أو التكثير لكثرة (٥) متعلّقه (٦). (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ) يحتمل الاستئناف والحال (٧).
__________________
(١) مفهوم كلام أبي الفتح في المحتسب ٢ / ٢٦٠ والدر ٤ / ٨١٢.
(٢) اللسان بطش.
(٣) زيادة للسياق.
(٤) وهذا الفصل كله سقط من نسخة ب وانظره في الرازي ٢٧ / ٢٤٤ والقرطبي ١٦ / ١٣٤.
(٥) في ب كثرة بدون لام.
(٦) البحر المحيط ٨ / ٣٥. والكشاف ٣ / ٥٠٢.
(٧) قاله في الدر المصون ٤ / ٨١٣.