وقال أبو البقاء : تركا كذلك (١) ، فجعله نعتا للتّرك المحذوف ، وعلى هذه الأوجه كلها يوقف على «كذلك» ، ويبتدأ : «وأورثناها» (قَوْماً آخَرِينَ)(٢). (وقال الزمخشري (٣) : الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها (٤) ، وأورثنا قوما آخرين) ، ليسوا منها يعني بني إسرائيل ، فعلى هذا يكون : «وأورثناها» معطوفا على تلك الجملة الناصبة للكاف فلا (٥) يجوز الوقف على «كذلك» حينئذ.
قوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ) يجوز أن يكون استعارة ، كقول الفرزدق :
٤٤٢٦ ـ والشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا (٦) |
وقال جرير :
٤٤٢٧ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع (٧) |
وقال النابغة :
٤٤٢٨ ـ بكى حارث الجولان من فقد ربّه |
|
وحوران منه خاشع متضائل (٨) |
فصل
روى أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : ما من عبد إلّا وله في السّماء بابان ، باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل منه عمله. فإذا مات وفقداه بكيا عليه ، وتلا هذه الآية ، وذلك لأنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا فتبكي عليه ، ولم يكن يصعد لهم إلى السماء كلام طيب ، ولا عمل صالح فتبكي عليهم. وقيل : التقدير : فما بكت عليهم أهل السماء والأرض ، فحذف المضاف والمعنى : فما بكت عليهم الملائكة ، ولا المؤمنون بل كانوا لهلاكهم مسرورين.
__________________
(١) التبيان ١١٤٦.
(٢) زيادة من ب.
(٣) ما بين القوسين ساقط من ب.
(٤) الكشاف ٣ / ٥٠٣.
(٥) الدر المصون ٤ / ٨١٥.
(٦) من البسيط لجرير وليس للفرزدق في رثاء خامس الخلفاء عمر بن عبد العزيز. والشاهد : تبكي عليك نجوم إسناد الفعل إلى الشمس لأن النجوم والقمر باكين الشمس على المرثي فبكتهن فهنا مغالية انظر أمالي المرتضى ١ / ٥٢ و ٥٣ والبحر ٨ / ٤٦ والمذكر والمؤنث ٢١٩ والكامل ٢ / ١٤١ وديوان «جرير» ٣٧٢.
(٧) من الكامل لجرير في هجاء الفرزدق. والشاهد : إسناد التواضع إلى السور والجبال إسنادا مجازيّا ، وقد تقدم.
(٨) من الطويل للنابغة كما في الديوان ١٢١ وشاهده كسابقيه من إسناد الفعل إلى الجماد إسنادا مجازيا على سبيل الاستعارة. وحارث وحوران من مرتفعات الجولان وفي الديوان «موحش» بدل خاشع وانظر اللسا (جول) ٧٣١.