ادّعى الإلهية. ولما بين الله تعالى (أنه) (١) كيف دفع عن بني إسرائيل الضرر ، بين أنه كيف أوصل إليهم الخيرات فقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) والمراد اخترنا مؤمني بني إسرائيل على عالمي زمانهم (٢).
قوله : (عَلى عِلْمٍ) متعلقة بمحذوف ، لأنها حال من الفاعل في «اخترناهم» و (عَلَى الْعالَمِينَ) ، متعلقة باخترناهم (٣). وفي عبارة أبي حيان : أنه لما اختلف مدلولهما جاز تعلقهما باخترنا ، وأنشد على ذلك (الشاعر) (٤) (رحمة الله عليه) (٥) :
٤٤٢٩ ـ ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت |
|
عليّ وآلت حلفة لم تحلّل (٦) |
ثم قال : ف (عَلى عِلْمٍ) حال إما من الفاعل ، أو من المفعول ، و «على ظهر» حال من الفاعل في «تعذرت» والعامل في الحال هو العامل في صاحبها. (وفيه نظر (٧) ، لأن قوله أولا : ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ينافي جعل الأولى حالا ، لأنها لم تتعلق به(٨) ، وقوله : والعامل في الحال هو العامل في صاحبها) لا ينفع في ذلك (٩).
فصل
قيل : هذه الآية تدل على كونهم أفضل من كل العالمين. وأجيب : بأن المراد على عالمي زمانهم وقيل : هذا عام دخله التخصيص. كقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(١٠) [آل عمران : ١١٠].
قوله : (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) مثل فلق البحر ، وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسّلوى ، والنّعم التي أنعمها عليهم. وقال ابن زيد : ابتلاهم بالرخاء والشدة ، وقرأ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(١١) [الأنبياء : ٣٥] ؛ لأنه تعالى كما يبلو بالمحنة فقد يبلو أيضا بالنعمة ، ليتميز به الصديق على الزّنديق. وههنا آخر الكلام على قصة موسى عليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) انظر تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٢٤٧ و ٢٤٨.
(٣) الدر المصون ٤ / ٨١٧.
(٤) سقط من ب وكان الأولى : أبو حيان بدل الشاعر.
(٥) زيادة من أ.
(٦) من الطويل وينسب لامرىء القيس والكثيب الرمل الكثير والتعذر التشدد ، وآلت حلفت والشاهد جع ل «على ظهر» حالا من فاعل تعذرت كما تعلق قوله «على» بنفس الفعل وإن اختلف معنى الحرفين. وانظر السبع الطوال ٤٢ والبحر ٨ / ٣٨ والهمع ١ / ٨٧ ، وشرح المعلقات السبع للزوزني ١٣.
(٧) سقط من ب ما بين الاقواس.
(٨) فقد تعلقت بمحذوف أي «اخترناهم عالمين بمكان الخيرة» انظر الكشاف ٣ / ٥٠٤.
(٩) وإذا لم تكن حالا منه لأنها لم تتعلق به فكيف يكون عاملا فيها؟
(١٠) وقد ذكر الوجهين الرازي فهما رأيه انظر تفسيره ٢٧ / ٢٤٨.
(١١) انظر القرطبي ١٦ / ١٤٣.