فصل (١)
لما ذكر الدليل على إثبات البعث والقيامة ذكر عقيبه يوم الفصل قال الحسن : سمي بذلك لأن الله تعالى يفصل فيه بين أهل الجنة ، وأهل النار. وقيل : إن الله يفصل فيه بين العباد في الحكم والقضاء. وقيل : يفصل بين المؤمن وبين ما يكره ، ويفصل بين الكافر وبين ما يريد. وقيل : يظهر حال كل أحد كما هو فلا يبقى إلّا الحقائق والبيّنات ، ثم وصف ذلك اليوم (٢) فقال : (يَوْمَ لا يُغْنِي) يجوز أن يكون بدلا (٣) من (يَوْمَ الْفَصْلِ) أو بيانا عند من لا يشترط المطابقة تعريفا (٤) وتنكيرا. أو أن يكون منصوبا بإضمار أعني (٥) ، وأن يكون صفة لميقاتهم ولكنه بني. قاله أبو البقاء (٦). وهذا لا يتأتى عنه البصريين لإضافته إلى معرب ، وقد تقدم آخر المائدة (٧) ، وأن ينتصب بفعل يدل عليه (يَوْمَ الْفَصْلِ) أي يفصل بينهم يوم لا يغني (٨) ، ولا يجوز أن ينتصب ب «الفصل» نفسه لما يلزم من الفصل بينهما بأجنبيّ وهو «ميقاتهم» والفصل مصدر لا يجوز فيه ذلك.
وقال أبو البقاء : لأنه قد أخبر عنه (٩) ، وفيه تجوز ، فإنّ الإخبار عما أضيف إلى الفصل لا عن الفصل (١٠)).
قوله : (مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) لا ينفع قريب قريبه ، ولا يدفع عنه (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي ليس لهم ناصر يمنعهم من عذاب الله. واعلم أن القريب إما في الدين أو في النّسب أو المعتق وكل هؤلاء يسمّون بالمولى فلما لم تحصل النصرة لهم فبأن لا تحصل ممّن سواهم أولى. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ١٢٣] إلى قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) قال الواحدي : المراد بقوله : مولى عن مولى الكفار ، لأنه ذكر بعده المؤمن فقال : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١١) ـ يريد المؤمن فإنه يشفع له الأنبياء والملائكة (١٢).
__________________
(١) ما بين القوسين كله سقط من نسخة ب.
(٢) الرازي ٢٧ / ٢٥٠.
(٣) التبيان السابق والبيان ٢ / ٣٦٠.
(٤) وأبرز إنسان لا يشترط الزمخشريّ وحكايته معروفة في قوله : «مَقامُ إِبْراهِيمَ» على قوله تعالى : «آياتٌ بَيِّناتٌ» من الآية ٩٧ من آل عمران. وانظر هذا الوجه في الدر المصون ٤ / ٨١٧ ورأي الزمخشري في توضيح المقاصد ٣ / ١٨٥.
(٥) الدر المصون المرجع السابق.
(٦) التبيان ١١٤٦.
(٧) من الآية ١١٩ : «هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ».
(٨) التبيان المرجع السابق.
(٩) السابق.
(١٠) وانظر هذا كله في الدر المصون ٤ / ٨١٧ و ٨١٨.
(١١) سقط من ب.
(١٢) انظر هذا كله في الرازي ٢٧ / ٢٥١.