قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ) قرأ الكسائيّ بفتح همزة إنك ، على معنى العلة ، أي لأنّك (١). وقيل تقديره ذق عذاب الجحيم أنك أنت العزيز (٢) ، والباقون بالكسر ، على الاستئناف المفيد للعلة ، فتتحد القراءتان معنى ، وهذا الكلام على سبيل التهكم وهو أغيظ للمستهزأ به (٣).
ومثله قول جرير لشاعر يسمي نفسه زهرة اليمن :
٤٤٣٠ ـ ألم تكن في وسوم قد وسمت بها |
|
من كلّ موعظة يا زهرة اليمن (٤) |
وهذا الشاعر قد قال :
٤٤٣١ ـ أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها |
|
أنّي الأعزّ وأنّي زهرة اليمن (٥) |
ومعنى الآية أنك بالضدّ منه. روي أن أبا جهل قال لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : ما بين جبليها أعزّ ولا أكرم منّي ، فو الله لا تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئا. وروي أن خزنة جهنم تقول للكافر هذا الكلام إشفاقا بهم وتوبيخا (٦).
قوله : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) أي تشكون فيه ولا تؤمنون به.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ)(٥٩)
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) لما ذكر وعيد الكفار أردفه بآيات الوعد فقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) قال أهل السنة : كل من اتقى الشرك صدق عليه أنه متق ، فوجب أن
__________________
(١) السبعة ٥٩٣ ورويت عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب. انظر معاني الفراء ٣ / ٤٣ و ٤٤.
(٢) وهو قول أبي البقاء التبيان ١١٤٦.
(٣) البحر المحيط ٨ / ٤٠ ، والدر المصون ٤ / ٨٢٠.
(٤) من البسيط وهو له والوسوم جمع وسم وهو أثر الكيّ. والاستفهام للتقرير والمعنى أن جريرا يخبر بأن شعراء كثيرين قد وسمهم بهجائه وهذا على سبيل الاستعارة ، والشاهد : يا زهرة اليمن حيث سمّاه زهرة اليمن على سبيل التهكم متابعة له وحكاية للفظة الآتي. وانظر ديوانه ٦٧٥ والخصائص ٢ / ٤٦١ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠ والدر المصون ٤ / ٨٢٠ والحجة للفارسي ٢ / ١٤٣ والمسائل العسكرية ٩٤.
(٥) ونسبه أبو الفتح بن جني في الخصائص إلى بعض اليمانية انظر المراجع السابقة.
(٦) الرازي ٢٧ / ٢٥٢.