الآية تبطل القول بالتقليد ، وتوجب على المكلف التأمل في دلائل دين الله (١).
قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)(١١)
قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ...) الآية لما بين الآيات للكفار ، وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها فبأي حديث بعدها يؤمنون أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) والأفاك الكذاب ، والأثيم المبالغ في اقتراف الإثم ، وهو أن يبقى مصرا على الإنكار ، والاستكبار. قال المفسرون : يعني النّضر بن الحارث ، والآية عامة في من كان موصوفا (٢) بهذه الصفة.
قوله : «يسمع» يجوز أن يكون مستأنفا ، أي هو يسمع ، أو دون إضمار «هو» وأن يكون حالا من الضمير في «أثيم» وأن يكون صفة.
قوله : (تُتْلى عَلَيْهِ) حال من (آياتِ اللهِ)(٣) ، ولا يجيء فيه الخلاف وهو أنه يجوز أن يكون في محل نصب مفعولا ثانيا ؛ لأن شرط ذلك أن يقع بعدها ما لا يسمع نحو : «سمعت زيدا يقرأ» أما إذا وقع بعدها ما يسمع ، نحو : سمعت قراءة زيد يترنّم بها فهي متعدية لواحد فقط ، و «الآيات» مما يسمع (٤).
قوله : «ثمّ يصرّ» قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى «ثم» في قوله : (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً)؟
قلت : كمعناه في قول القائل :
٤٤٣٩ ـ ......... |
|
يرى غمرات الموت ثمّ يزورها (٥) |
وذلك أن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفرار منها ، وأما زورانها والإقدام على مزاولتها فأمر مستبعد ، فمعنى ثم الإيذان بأن فعل المقدم عليها
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٥٠٩.
(٢) السابقين.
(٣) هذه الأوجه الإعرابية ذكرها أبو البقاء في التبيان ١١٥١ ، والسمين في الدر ٤ / ٨٣١.
(٤) الدر المصون المرجع السابق ، والذي عدّها من النواسخ الأخفش والفارسي وابن بابشاذ ، وابن عصفور وابن الصائغ ، وابن أبي الربيع وابن مالك ، انظر الهمع ١ / ١٥٠.
(٥) سبق هذا البيت أنه لجعفر بن علبة الحارثي من الطويل وصدره :
ولا يكشف الغماء إلّا ابن حرّة
وانظر كل ما فيه هنا أعلى بتوضيح من المؤلف نقلا عن الزمخشري ٣ / ٥٠٩ والدر المصون ٤ / ٨٣١.