فاستعير ذلك للدين ، لأن العباد يردون ما يحيى (١) به نفوسهم (٢).
قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي إن اتبعت أهواءهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) والمعنى إنك لو ملت إلى أديانهم الباطلة لصرت مستحقا للعذاب ، وهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك (٣) ، وإنّ الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وأما في الآخرة ، فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب ، وإزالة العقاب ، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم (٤).
قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٦)
قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ) أي هذا القرآن ، جمع خبره باعتبار ما فيه. وقرىء : «هذه» (٥) رجوعا إلى الآيات ولأن القرآن بمعناها كقوله :
٤٤٤٤ ـ ......... |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت؟ (٦) |
لأنه بمعنى الصيحة ، والمعنى بصائر للناس ، أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون بها. وتقدم تفسيره في سورة الأعراف (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هدى من الضلالة ، ورحمة من العذاب لمن اتقى وآمن.
__________________
(١) في ب «يخفى» تحريف.
(٢) وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٥.
(٣) في أعليك والتصحيح من ب.
(٤) الرازي ٢٧ / ٢٦٥ و ٢٦٦.
(٥) قراءة شاذة غير متواترة لم ينسبها صاحب الكشاف والدر المصون انظر الكشاف ٣ / ٥١١ والدر المصون ٤ / ٨٣٥. بينما نسبها صاحب شواذ القرآن إلى اليماني ٢٢١.
(٦) عجز بيت من البسيط لرويشد بن كثير ، صدره :
يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته
والشاهد : الإشارة إلى الصوت بالمؤنث ؛ لأن المراد الصّيحة فجاز ذلك. وانظر الخصائص ٢ / ٤١٦ ، وابن يعيش ٥ / ٩٥ ، والإنصاف ٧٧٣ ، والهمع ٢ / ١٥٧ واللسان (صوت) وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٦٦.