وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(٣٥)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا ...) الآيات. لما سلى رسوله بذكر الكفار الذين كذبوا الأنبياء قبله وبمشاهدة آثارهم سلاه أيضا بذكر قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنه مع قوته ومعجزته بعثه إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه ، وقالوا : ساحر كذاب ، فلما جاءهم بالحق من عندنا أي بتلك الآيات الباهرة والسلطان المبين وهو المعجزات القاهرة قالوا يعني فرعون وقومه اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ، قال قتادة : هذا غير القتل الأول ؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان فلما بعث موسى دعا بالقتل عليهم لئلا ينشأوا على دين موسى فيقوى بهم ، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات فلهذا أمر بقتل الأبناء واستحيوا نساءهم ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته (١) ثم قال : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ) أي وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم إلا في ضلال.
قوله (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) أي وقال فرعون لملئه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) فتح ابن كثير ياء «ذروني» (٢) وسكنها الباقون. وإنما قال فرعون ذلك ؛ لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى وفي منعهم من قتله احتمالان :
الأول : أنهم منعوه من قتله لوجوه :
الأول : لعله كان فيهم من يعتقد بقلبه كون موسى صادقا فيتحيل في منع فرعون من قتله.
وثانيهما : قال الحسن : إن أصحابه قالوا له : لا تقلته فإنما هو ساحر ضعيف ولا
__________________
(١) وانظر البغوي ٩٢ و ٩٣ والرازي ٢٧ / ٥٤.
(٢) ورواها أيضا ورش من طريق الأصبهاني ولم ترو هذه القراءة في المتواتر ، انظرها في الإتحاف ٣٧٨ فهي من الأربع فوق العشر.