أن يعود على المجترحين فقط أخبر أن حالهم في الزمانين سواء (١). وقال أبو البقاء : ويقرأ مماتهم بالنصب أي في محياهم ومماتهم. والعامل : نجعل أو سواء. وقيل : هو (٢) ظرف. قال شهاب الدين: هو القول الأول بعينه (٣).
فصل
لما بين الله تعالى الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه المتقدم بين الفرق بينهما من وجه آخر فقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (و (٤)) أم كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفا على شيء آخر سواء كان ذلك المعطوف مذكورا أو مضمرا. والتقدير هنا : أفيعلم المشركون هنا أم يحسبون أنا نتولاهم كما نتولى المتقين. والاجتراح : الاكتساب أي اكتسبوا المعاصي والكفر ، ومنه الجوارح ، وفلان جارحة أهله ، أي كاسبهم. قال تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ). وقال الكلبي : نزلت هذه الآية في عليّ وحمزة ، وأبي عبيدة بن الجرّاح ـ رضي الله عنهم ـ وفي ثلاثة من المشركين عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شيء فلو كان ما تقولونه حقّا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما كنا أفضل حالا منكم في الدنيا. فأنكر الله عليهم هذا الكلام ، وبين أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب ومنازل السّعادات (٥). ثم قال : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ). قال مجاهد عن ابن عباس : معناه أحسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين؟! كلا فإنهم يعيشون كافرين ويموتون كافرين والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين ، فالمؤمن ما دام حيا في الدنيا فإنّ وليّه هو الله وأنصاره المؤمنون (٦) وحجة الله معه. والكافر بالضّدّ منه ، كما ذكره الله تعالى في قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) والمؤمنون تتوفاهم الملائكة طيّبين يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون وأما الكفار فتتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. وأما في القيامة فقال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس : ٣٨ ـ ٤٢] وقيل : معنى الآية لا يستوون في الممات ، كما استووا في الحياة ، لأن المؤمن والكافر قد يستويان في
__________________
ـ والنّهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله». انظر التعريفات للشريف الجرجاني ١٦٩.
(١) الدر المصون ٤ / ٨٣٨.
(٢) لعله يقصد «هما» تثنية وانظر التبيان ١١٥٢.
(٣) رأي الزجاج والفراء والزمخشري السابق. وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٨.
(٤) زيادة للسياق.
(٥) انظر الرازي ٢٧ / ٢٦٦ والقرطبي ١٦ / ١٦٥.
(٦) في ب وأ : المؤمنين نصبا أو جرّا وهو تحريف والأصح ما أثبت أعلى.