يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣٧)
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية لما احتج بكونه قادرا على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة ، عمّم الدليل فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لله القدرة على جميع الكائنات سواء كانت في السماوات أو في الأرض وإذا ثبت كونه تعالى قادرا على كلّ الممكنات وثبت أن حصول الحياة في هذه الدار ممكن إذ لو لم يكن ممكنا لما حصل في المرة الأولى ، فليزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية. ولما بين تعالى إمكان القول بالحشر والنشر في هذين الطريقين ، ذكر تفاصيل أحوال القيامة (١) فأولها : قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) في عامله وجهان :
أحدهما : أنه «يخسر» و «يومئذ» بدل من : (يَوْمَ تَقُومُ)(٢). والتنوين على هذا تنوين عوض عن جملة مقدرة ولم يتقدم من الجمل إلا (تَقُومُ السَّاعَةُ) فيصير التقدير : ويوم تقوم الساعة يومئذ تقوم الساعة. وهذا الذي قدروه ليس فيه مزيد فائدة ، فيكون بدلا توكيديّا(٣).
والثاني : أن العامل فيه مقدر ، قالوا لأن يوم القيامة حالة ثالثة ليست بالسّماء ولا الأرض ، لأنهما يتبدلان فكأنه قيل : ولله ملك السماوات والأرض والملك يوم تقوم. ويكون قوله : «يومئذ» معمولا ليخسر ، والجملة مستأنفة من حيث اللفظ ، وإن كان لها تعلق بما قبلها من حيث المعنى (٤).
فصل
اعلم أنّ الحياة والعقل والصحة كأنها رأس مال ، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مجرى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح والكفار قد أتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلّا الحرمان والخذلان ودخول النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران (٥).
وثانيها : قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) الظاهر أن الرؤية بصرية فيكون «جاثية»
__________________
(١) انظر في هذا تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٧ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢.
(٢) الكشاف ٣ / ٥١٣ والدر المصون ٤ / ٨٤٠ والرازي ٢٧ / ٢٧٢.
(٣) قاله في البحر المحيط ٨ / ٥٠ وانظر المرجع السابق وهو الدر المصون أيضا. قال أبو حيان : «فإن كان بدلا توكيدا وهو قليل جاز ذلك وإلّا فلا يجوز أن يكون بدلا». وانظر أيضا البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٦٦ ، ومشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٩٧.
(٤) انظر البحر المحيط والدر المصون المرجعين السابقين.
(٥) الرازي ٢٧ / ٢٧٢.