يمكن أن يغلب سحرتنا وإن قتلته أدخلت الشبهة على الناس ويقولوا : إنه كان محقا وعجزوا عن جوابه فقتلوه.
وثالثها : أنهم كانوا يحتالون في منعه من قتله لأجل أن يبقى فرعون مشغول القلب بموسى فلا يتفرغ لتأديب أولئك الأقوام ؛ لأن من شأن الأمراء أن يشغلوا قلب ملكهم بخصم خارجي حتى يصيروا آمنين من قلب ذلك الملك.
الاحتمال الثاني : أن أحدا ما منع فرعون من قتل موسى وأنه كان يريد قتله ، إلا أنه كان خائفا من أنه لو حاول قتله لظهرت معجزات قاهرات (١) تمنعه من قتله فيفتضح إلا أنه قال ذروني أقتل موسى وغرضه منه إخفاء خوفه.
قوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ؛ ذكر ذلك استهزاءا.
قوله (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) قرأ الكوفيون ويعقوب (أو أن) بأو التي للإبهام ومعناه أنه لا بد من وقوع أحد الأمرين والباقون بواو النسق على تسلط الخوف من التبديل وظهور الفساد معا (٢). وفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من «إنّي أخاف» ؛ وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص «يظهر» بضم الياء وكسر الهاء من أظهر ، وفاعله ضمير موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ «الفساد» نصبا على المفعول به والباقون بفتح الياء والهاء (٣) من ظهر الفساد ، «الفساد» رفعا ، وزيد بن علي يظهر مبنيا للمفعول الفساد (٤) مرفوع لقيامه مقام الفاعل ومجاهد «يظّهّر» بتشديد (٥) الظاء والهاء ، وأصلها يتظهّر من تظهّر بتشديد الهاء فأدغم التاء في الظاء ، «الفساد» رفع على الفاعلية.
فصل
ذكر فرعون السبب الموجب لقتل موسى وهو أن الموجب لقتله إما فساد الدين أو فساد الدنيا ، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو دينهم الذي كانوا عليه ، فلما كان موسى ساعيا في إفساده اعتقدوا أنه ساع في إفساد الدين الحق ، وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن ، ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبّهم لأموالهم لا جرم بدأ فرعون بذكر الدين فقال : «إني أخاف أن يبدل
__________________
(١) في (ب) ظاهرات وفي الرازي قاهرة والتصحيح من الرازي و (أ) وانظر الرازي ٢٧ / ٥٤.
(٢) من القراءة المتواترة ذكرها الرازي في المرجع السابق ومكي في الكشف ٢ / ١٤٣ وانظر أيضا السبعة ٥٦٩ والإتحاف ٣٧٨ والدر المصون ٤ / ٦٨٧ و ٦٨٨.
(٣) الكشف ٢ / ٢٤٣ والسبعة ٥٦٩ والإتحاف ٣٧٨ ومعاني الفراء ٣ / ٧.
(٤) قراءة شاذة غير متواترة ذكرها صاحب البحر ٧ / ٤٦٠ وصاحب شواذ القرآن ٢١٣.
(٥) ذكرها شاذة أيضا انظر مختصر ابن خالويه ١٣٢ والبحر المرجع السابق والكشاف ٣ / ٤٢٣.