الثاني : أنّ «ظنّا» له صفة محذوفة تقديره : إلّا ظنّا بيّنا ، فهو مختص لا مؤكد (١).
الثالث : أن يضمن (نظن) معنى «نعتقد» فينتصب «ظنا» مفعولا به لا مصدرا (٢).
الرابع : أن الأصل إن نظنّ إلّا أنّكم تظنّون ظنّا ، فحذف هذا كله وهو معزوّ للمبرد أيضا(٣). وقد رده عليه من حيث إنه حذف إنّ واسمها وخبرها وأبقى المصدر. وهذا لا يجوز (٤).
الخامس : أن الظن يكون بمعنى العلم والشك ، فاستثني الشك كأنه قيل : ما لنا اعتقاد إلّا الشك (٥). ومثل الآية قول الأعشى :
٤٤٤٨ ـ وحلّ به الشّيب أثقاله |
|
وما اغترّه الشّيب إلّا اغترارا (٦) |
يريد اغترارا بينا.
فصل
قال ابن الخطيب : القوم كانوا في هذه المسألة على قولين ، منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ومنهم من كان شاكّا متحيرا فيه لأنهم من كثرة ما سمعوه من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحّته صاروا شاكين فيه ، وهم المذكورون في هذه الآية ، ويدل على ذلك أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين ، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء ، فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول. ثم قال : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي
__________________
(١) ذكره ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٦٧ ، وانظر البحر المحيط ٨ / ٥١.
(٢) المرجع الأخير السابق ، وقال أبو البقاء : «وقيل هي في موضعها لأن (نظن) قد تكون بمعنى العلم والشك ، فاستثنى الشك أي ما لنا اعتقاد إلّا الشك» ، التبيان ١١٥٣.
(٣) ذكر هذا التقدير مكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٩٨ لكن لم ينسبه إليه ولا إلى غيره. وقد نسبه إليه أبو حيان في البحر ٨ / ٥٢ وقال : ولعلّه لا يصح. ونسبه إليه السمين في الدر المصون ٤ / ٨٤٣ نقلا عن أستاذه وشيخه أبي حيان.
(٤) هذا رأي أبي البقاء المرجع السابق الأخير.
(٥) هذا رأي أبي البقاء في التبيان كما سبق ١١٥٣.
(٦) هو له من بحر المتقارب ، والمعنى أن الشيب جعله غافلا عما هو فيه غفلة واضحة. واغترارا من قولهم : اغتررت الرجل أي طلبت غفلته. والشاهد : ما اغتره الشيب إلّا اغترارا حيث صح التنظير بالبيت على أن يحمل اغترارا على الموصوف الذي حذف صفته كما ذكر أعلى ، فهو من الوجه الثاني الذي ذكره وقال الإمام ابن يعيش : «والتقدير : إن نحن إلّا نظنّ ظنا ، وما اغتره إلّا الشيب اغترارا ، فكان إلّا في غير موقعها فهي مؤخرة والنية بها التقديم». وانظر شرح المفصل ٧ / ١٠٧ وشرح الرضي على الكافية ١ / ٢٣٦ والبحر ٨ / ٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٨٤٤ ، والمغني ٢٩٥ وشرح شواهده للسيوطي ٧٠٤ ، وتمهيد القواعد ٢ / ٥٤٢ والديوان ٨٠.