قال الكلبي في تفسير الأثارة : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي (١) يسند إليهم. وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء. وقال مجاهد : خاصة من علم. قال ابن الخطيب : وههنا قول آخر في تفسير (قوله (٢)) تعالى : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور. وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ فمن وافق خطّه خطّه علم علمه» فعلى هذا الوجه معنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام. فإن صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من باب التّهكّم بهم وأقوالهم ودلائلهم (٣).
قوله : (وَمَنْ أَضَلُّ) مبتدأ وخبر. وقوله (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ) من نكرة موصوفة أو موصولة ، وهي مفعولة بقوله : «يدعو».
قوله : (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ) يجوز أن يكون الضّميران عائدين على من (٤) في قوله : (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) وهم الأصنام ويوقع عليهم من معاملتهم إياها معاملة العقلاء ولأنه أراد جميع من عبد من دون الله وغلب العقلاء ، ويكون قد راعى معنى «من» فلذلك جمع في قوله : «وهم» بعد ما راعى لفظها فأفرد في قوله «ويستجيب» وقيل : يعود على «من» في قوله : (وَمَنْ أَضَلُّ) وحمل أولا على لفظها ، فأفرد في قوله «يدعو» ، وثانيا على معناها فجمع في قوله : (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ)(٥).
فصل (٦)
(وَمَنْ أَضَلُّ) استفهام على سبيل الإنكار والمعنى لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام ، فيتخذها آلهة ويعبدها ، وهي إذا دعيت لا تسمع ، ولا تجيب لا في الحال ولا في المآل إلى يوم القيامة. وإنما جعل ذلك غاية ، لأن يوم القيامة قد قيل : إنه تعالى يحييها ، ويخاطب من يعبدها ، فلذلك جعله الله تعالى حدّا وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين (٧). واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يحيي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم. وقيل : المراد عبدة الملائكة وعيسى ، فإنهم في يوم القيامة يظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) أي جاحدين كقوله : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص : ٦٣].
__________________
(١) ذكرها القرطبي في الجامع ١٦ / ١٨٢.
(٢) سقط من أالأصل.
(٣) قاله في تفسيره ٢٨ / ٤ و ٥.
(٤) ما بين القوسين هذا ساقط من أالأصل بسبب انتقال النظر.
(٥) بالمعنى من البحر المحيط لأبي حيان ٨ / ٥٥ و ٥٦.
(٦) في ب قوله بدل «فصل».
(٧) الرازي ٢٨ / ٥ و ٦.