قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) هنا أقام ظاهرين مقام مضمرين ، إذ الأصل قالوا لها أي للآيات ولكنه أبرزهما ظاهرين لأجل الوصفين المذكورين. واللام في للحق للصلة.
فصل
لما تكلم في تقرير التوحيد ، ونفي الأضداد ، والأنداد تكلم في النبوّة وبين أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كلما عرض عليهم نوعا من أنواع المعجزات قالوا : هذا سحر أي يسمون القرآن سحرا.
قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أم للإنكار والتعجب كأنه قيل : دع هذا واسمع القول المنكر العجيب ثم بين باطلان شبهتهم فقال : «قل» يا محمد (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) على سبيل الفرض ، فإن الله يعاملني بعقوبة باطلان ذلك الافتراء ، وأنتم لا تقدرون على دفعه فكيف أقدر على هذه الفرية؟ يعني لعقابه ، وهو المراد بقوله : (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لا تقدرون أن تردوا عني عذابه ، وإن عذبني الله على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم؟! ونظيره : (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) [المائدة : ١٧١] (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة : ٤١]. ثم قال : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أي الله أعلم بما يخوضون فيه من التكذيب بالقرآن ، والقول فيه بأنه سحر. (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق ويشهد لكم بالكذب (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن رجع عن الكفر وتاب. قال الزجاج : هذا دعاء إلى التوبة ، ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيم به (١).
قوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ)(١٢)
قوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ...) لما حكى طعنهم في كون القرآن معجزا بقولهم : إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى كلام الله تعالى على سبيل الفرية حكى
__________________
(١) قال : «معناه أنه من أتى من الكبائر العظام ما أتيتم به من الافتراء على الله جل وعز وعلا ثم تاب فإن الله غفور رحيم» انظر معاني القرآن ٤ / ٤٣٩.