وثالثها : قوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يدل على إثبات العمل للعبد.
ورابعها : يدل على أن العبد يستحق على الله جزاء عمله (١) وتقدم جواب ذلك.
قوله : «خالدين» منصوب على الحالية و «جزاء» منصوب إما بعامل مضمر ، أي يجزون جزاء (٢) أو بما تقدم ، لأن معنى أولئك أصحاب الجنة معنى جازيناهم بذلك.
قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(١٦)
قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) تقدم نظيره. قرأ الكوفيون : إحسانا (٣) ، وباقي السبعة «حسنا» بضمّ الحاء وسكون السين ، فالقراءة الأولى يكون «إحسانا» فيها منصوبا بفعل مقدر أي وصيناه أن يحسن إليهما إحسانا (٤) وقيل : بل هو مفعول به على تضمين وصينا معنى «ألزمنا» (٥) فيكون مفعولا ثانيا وقيل : بل هو منصوب على المفعول له ، أي وصّينا بهما إحسانا منا إليهما (٦). وقيل : هو منصوب على المصدر ، لأن معنى وصينا أحسنّا (٧) ، فهو مصدر صريح ، والمفعول الثاني هو المجرور بالباء. وقال ابن عطية : إنها تتعلق إما «بوصّينا» وإما «بإحسانا» (٨) وردّ عليه أبو حيان هذا الثاني بأنه مصدر مؤول فلا يتقدم معموله عليه ، ولأن «أحسن» لا يتعدى بالباء ، وإنما يتعدى باللام لا تقول : أحسن بزيد على معنى وصول الإحسان إليه (٩). ورد بعضهم هذا بقوله : (أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي) [يوسف : ١٠٠]. وقيل : هو بغير هذا المعنى. وقدر بعضهم : ووصينا الإنسان بوالديه ذا (١٠) إحسان ، يعني فيكون حالا. وأما «حسنا» فقيل
__________________
(١) وقد ذكر الرازي وجها خامسا وهو كون العبد مستحقا على الله تعالى وأعظم أنواع هذا النوع الإحسان إلى الوالدين. انظر هذا الوجه وما قبله من الأوجه في الرازي ٢٨ / ١٣ و ١٤.
(٢) التبيان ١١٥٥.
(٣) البحر المحيط ٨ / ٦٠ ، والقرطبي ١٦ / ١٩٢ ويقصد بالكوفيين : عاصما وحمزة والكسائي. وهي قراءة متواترة. انظر السبعة ٥٩٦.
(٤) البيان ٢ / ٣٦٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٦٠.
(٥) التّبيان ١١٥٦.
(٦) البحر المحيط السابق.
(٧) البحر المحيط ٨ / ٦٠ وهو بقية رأي ابن عطية الآتي فيما نقله عنه أبو حيان في مرجعه السابق.
(٨) السابق.
(٩) بالمعنى من البحر المحيط المرجع السابق.
(١٠) في البحر المحيط : إيصاء ذا إحسان أو ذا حسن. ولم يحدد من قال بتلك الآراء اللهم إلا ابن عطية السابق.