فيها ما تقدم في «إحسان». وقرأ عيسى والسّلمي بفتحهما (١). وقد تقدم معنى القراءتين في البقرة (٢) وفي لقمان (٣). قال ابن الخطيب : حجة من قرأ إحسانا قوله تعالى في سورة بني إسرائيل: (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣] ومعناه أمر بأن يوصل إليهما إحسانا. وحجة القراءة الأخرى قوله تعالى في سورة العنكبوت : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨] ولم يختلفوا فيه. والمراد أنا أمرناه بأن يوصل إليهما فعلا حسنا ، كما يقال : هذا الرجل علم وكرم (٤). قوله : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بفتح الكاف (٥) ، والباقون بضمها ، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل الضّعف والضّعف ، والفقر والفقر ، ومن غير المصادر الدّفّ ، والدّفّ (٦) ، والشّهد والشّهد وقال الواحدي : الكره مصدر من كرهت الشيء أكرهه والكره الاسم كأنه الشيء المكروه ، قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] فهذا بالضم ، وقال : (تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) [النساء : ١٩] فهذا في موضع الحال ، وما كان مصدرا في (٧) موضع الحال فالفتح فيه أحسن. وقال أبو حاتم : الكره بالفتح لا يحسن ، لأنه بالفتح الغصب والغلبة (٨). ولا يلتفت لما قاله لتواتر هذه القراءة (٩). وانتصابهما إمّا على الحال من الفاعل أي ذات كره ، وإمّا على النعت لمصدر مقدر أي حملا كرها (١٠).
فصل
قال المفسرون : حملته أمّه مشقة على مشقة ، ووضعته بمشقّة وليس المراد ابتداء الحمل فإن ذلك لا يكون مشقة ، لقوله تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ
__________________
(١) أي فتح السين والخاء وهي من الشواذ ذكراها ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٦٥ وأبو حيان في البحر ٨ / ٦٠.
(٢) من الآية ٢٤٥ «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ» وقوله أيضا : «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» من الآية ٨٣.
(٣) الأصح الكهف ٨٦ والنمل ١١ والشورى ٢٣.
(٤) الرازي ٢٨ / ١٤.
(٥) قراءة شاذة ذكراها أبو حيان في البحر ٨ / ٦٠ وهي قراءة شيبة والأعرج وأبي جعفر والحرميين أيضا.
(٦) الذي يضرب به النساء انظر اللسان دف ١٣٩٦.
(٧) في الرازي ناقلا عبارة الواحدي : أو في موضع الحال وانظر الرازي ٢٨ / ١٤.
(٨) ذكر القرطبي هذا الرأي ولم ينسبه لأحد انظر القرطبي ١٦ / ١٩٣ وذكر الفراء والكسائي والزجاج الفرق بينهما ولم يتعرضوا لأكثر من هذا. انظر معاني الزجاج ٤ / ٤٤٢ ، ومعاني الفراء ٢ / ٥٢ ، والقرطبي السابق وقد نقل رأي أبي حاتم أبو حيان في البحر ٨ / ٦٠.
(٩) هذا رد أبي حيان على رأي أبي حاتم.
(١٠) السابق.