فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) [الأعراف : ١٨٩] فحينئذ حملته كرها ووضعته كرها يريد شدة الطلق.
فصل
دلت الآية على أن حق الأم أعظم لأنه تعالى قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) فذكرهما معا ، ثم خص الأمّ بالذكر فقال : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) وذلك يدل على أن حقها أعظم وأنّ وصول المشاقّ إليها بسبب الولد كثيرة والأخبار كثيرة في هذا الباب (١).
قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) أي مدة حمله. وقرأ العامة وفصاله مصدر «فاصل» كأن الأم فاصلته وهو فاصلها (٢). والجحدريّ والحسن وقتادة : وفصله (٣). قيل : والفصل والفصال بمعنى كالعظم والعظام والقطف والقطاف. ولو نصب «ثلاثين» على الظرف الواقع موقع الخبر جاز وهو الأصل ، هذا إذا لم نقدر مضافا فإن قدرناه ـ أي مدّة حمله ـ لم يجز ذلك وتعين الرفع لتصادق الخبر والمخبر عنه.
فصل
دلت الآية على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرّضاع ثلاثون شهرا وقال تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣] فإذا أسقطنا الحولين الكاملين وهي أربعة وعشرون شهرا من ثلاثين بقي مدة الحمل ستة أشهر. وروى عكرمة عن ابن عباس (رضي الله عنهما) (٤) قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا. وروي عن أبي بكر (الصديق (٥)) رضي الله عنه أنّ امرأة رفعت إليه وقد ولدت لستة أشهر فأمر برجمها. فقال عمر (٦) : لا رجم عليها وذكر الطريق المتقدمة. وعن عقمان نحوه وأنه يعم بذلك فقرأ ابن عباس عليه الآية. وأما مدة أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه(٧).
قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) لا بد من جملة محذوفة ، تكون «حتّى» غاية لها ، أي عاش واستمرت حياته حتى إذا بلغ أشده (٨) ، قال ابن عباس ـ في رواية عطاء ـ الأشد ثماني عشرة سنة وقيل : نهاية قوته وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة
__________________
(١) انظر الرازي ٢٨ / ١٤ ومعاني الزجاج ٤ / ٤٤٢.
(٢) البحر ٨ / ٦١.
(٣) شاذة غير متواترة انظر المرجع السابق ، ومختصر ابن خالويه ١٣٩.
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من ب.
(٦) في القرطبي : عليّ.
(٧) انظر هذا في القرطبي ١٦ / ١٩٣ و ١٩٤ والرازي ٢٨ / ١٦ و ١٧.
(٨) البحر المحيط ٨ / ٦١.