قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١٩)
قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) لما وصف الولد البارّ بوالديه ، وصف الولد العاقّ بوالديه ههنا. واعلم أنه قد تقدم الكلام على أفّ (١). و «لكما» بيان أي التأفيف لكما نحو : (هَيْتَ لَكَ) وهي كلمة كراهية. (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من قبري حيا (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) ولم يبعث منهم أحد. قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد : نزلت في عبد الله. وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام ، وهو يأبى ، وهو قوله : أفّ لكما أحيوا لي عبد الله بن جدعان ، وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون. واحتجوا بهذا القول بأنه (لما (٢)) كاتب معاوية إلى ابن مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم شيئا نكرا (٣) أتبايعون أبناءكم فقال (مروان) يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) والصحيح أنها نزلت في كل كافر عاقّ لوالديه. قاله الحسن وقتادة (٤). قال الزجاج : قول من قال : إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ) فأعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المؤمنين (٥) ، فلا يكون ممّن حقّت عليهم كلمة العذاب. قال ابن الخطيب : وهذا القول هو الصحيح فإن قالوا : روى أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام ، وأخبراه بالبعث بعد الموت قال : أتعدانني أن أخرج من القبر يعني أبعث (٦) بعد الموت (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) يعني الأمم الخالية ، فلم يرجعوا منهم عبد الله بن جدعان ، وفلان وفلان. فنقول : قوله : أولئك الذي حق عليهم القول المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبد الرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله هم الذين حق عليهم القول فالضمير عائد إلى المشار إليهم بقوله : (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) لا
__________________
(١) من قوله : «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» من الآية ٢٣ من الإسراء.
(٢) سقط من ب.
(٣) في الرازي : هرقلية وكذا هي في القرطبي ١٦ / ١٩٧ وأراد أن البيعة لأولاد الملوك سنة ملوك الروم ، وهرقل : اسم ملك الروم.
(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ٢٣ والقرطبي المرجع السابق.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤٣ و ٤٤٤.
(٦) في ب البعث.