قوله (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ) أي كراهة أن يقول ، أو لأن يقول (١). قال الزمخشري : ولك أن تقدر مضافا محذوفا أي وقت أن يقول والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر (في أمره) (٢) وهذا الذي أجازه رده أبو حيان بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع المصدر المصرّح به ، تقول : صياح الدّيك أي وقت صياحه ، ولو قلت : أجيئك أن صاح الديك أو أن يصيح لم يصح نص عليه النحويون (٣).
قوله : (وَقَدْ جاءَكُمْ) جملة حالية ، يجوز أن تكون من المفعول.
فإن قيل : هو (٤) نكرة.
فالجواب : أنه في حيّز الاستفهام وكل ما سوغ الابتداء بالنكرة سوغ انتصاب الحال عنها ، ويجوز أن تكون حالا من الفاعل (٥).
فصل
لما حكى الله تعالى عن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله بين أنه تعالى قيّض له إنسانا أجنبيا حتى ذب عنه بأحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة فقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) وهذا استفهام على سبيل الإنكار ، وذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن ذلك الإنكار ، وذلك لأنه ما زاد على أن قا : ربي الله وجاء بالبينات ، وذلك لا يوجب القتل البتة فقوله : (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) يحتمل وجهين :
الأول : أن قوله (رَبِّيَ اللهُ) إشارة إلى تعزيز النبوة بإظهار المعجزة.
الثاني : أن قوله (رَبِّيَ اللهُ) إشارة إلى التوحيد.
وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد ، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية على أن الإقدام على قتله غير جائز ، وهي حجة مذكورة على طريق التقسيم فقال : إن كان هذا الرجل كاذبا كان وبال كذبه عائدا عليه فاتركوه وإن كان صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فعلى كلا التقديرين الأولى إبقاؤه حيّا.
فإن قيل : الإشكال على هذا الدليل من وجهين :
__________________
(١) هذا قول أبي البقاء في تبيانه ١١١٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٤ وأبي حيان في البحر ٧ / ٤٦٠ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧١.
(٢) زيادة من الكشاف وانظر الكشاف المرجع السابق.
(٣) قاله في بحره ٧ / ٤٦٠ بالمعنى.
(٤) تصحيح من السمين والمقام وفي النسختين «هي» وهو يتكلم عن المفعول وهو مذكو وهو «رجلا».
(٥) وقد أعربها أبو البقاء حالا في تبيانه ١١١٨ دون تحديد صاحب الحال وقد فصل القول السمين في الدر ٤ / ٦٨٩.