الحوض (١). وقد تقدم الكلام في القلب (٢) وأنّ فيه ثلاثة مذاهب.
قوله : «أذهبتم» قرأ ابن كثير : أأذهبتم بهمزتين الأولى مخففة والثانية مسهّلة بين بين ولم يدخل بينهما ألفا. وهذا على قاعدته في : «أأنذرتهم» ونحوه (٣). وابن عامر قرأ أيضا بهمزتين ، لكن اختلف راوياه عنه : فهشام سهل الثانية وخففها ، وأدخل ألفا في الوجهين ، وليس على أصله فإنه من أهل التحقيق (٤). وابن ذكوان بالتحقيق فقط (٥) ، دون إدخال ألف ، والباقون بهمزة واحدة فيكون إما خبرا وإما استفهاما سقطت أداته للدلالة عليها (٦).
والاستفهام معناه التقريع وكلتا القراءتين فصيحتان لأن العرب تستفهم وتترك الاستفهام فتقول : أذهبت (٧) ففعلت كذا؟ (٨) وذهبت ففعلت كذا؟.
قوله : (فِي حَياتِكُمُ) يجوز تعلقه «بأذهبتم» ويجوز تعلقه بمحذوف على أنه حال من «طيّباتكم».
فصل
قيل : المعنى يعرض الذين كفروا على (النار) (٩) أي يدخلون النار. وقيل : تدخل عليهم النار ليروا أهوالها ، ويقال لهم : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ، والمعنى أن ما قدر لكم من الطيبات والدّرجات (١٠) فقد استوفيتموه في الدنيا ، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها. وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ : لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأحسنكم لباسا ، ولكنّي أستبقي طيّباتي. قال الواحدي : إن الصالحين يؤثرون
__________________
(١) قال : «ولا ينبغي حمل القرآن على القلب ، إذ الصحيح في القلب أنه مما يضطر إليه في الشّعر ، وإذا كان المعنى صحيحا واضحا مع عدم القلب فأيّ ضرورة تدعو إليه؟ وليس في قولهم : عرضت الناقة على الحوض ، ولا في تفسير ابن عباس ما يدل على القلب ، لأن عرض الناقة على الحوض وعرض الحوض على الناقة كل منهما صحيح ... إلخ» البحر ٨ / ٧٣.
(٢) أفرد له السيوطي في المزهر بابا باسمه وذكر آراء كثيرين كابن فارس وابن السكيت وابن الأعرابي وأبي عبيد وأبي عبيدة وابن دريد والأصمعي والنحاس وثعلب والجوهري وغيرهم وبين أنه يقع في الكلمة وفي الجملة ولم يذكر أمثله للجملة وبين أنه لم يقع في القرآن وأن من الذين أنكروه ابن درستويه. انظر المزهر ١ / ٤٧٦.
(٣) هذه قراءة متواترة ذكرت في الإتحاف ٣٩٢ وفي السبعة ٥٩٨ وفي الكشف لمكي ٢ / ٢٧٢.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) الإتحاف المرجع السابق ، ولكن بلا فصل. وانظر في كل هذه القراءات البحر المحيط ٨ / ٦٣ وقراءة ابن ذكوان من القراءة المتواترة أيضا.
(٦) وانظر كل هذا في الكشف للإمام مكي ٢ / ٢٧٢ و ٢٧٣.
(٧) بدون استفهام فالهمزة همزة أفعل كأكرم وأعتق فهو فعل رباعي.
(٨) دون استفهام أيضا ولكنه تلك المرة بفعل لثلاثي وهو «ذهب».
(٩) زيادة لا بد منها على النسختين.
(١٠) في الرازي : والراحات.