أولهما : الكفر ، وثانيهما : الفسق وهذا الفسق لا بدّ وأن يكون مغايرا لذلك الكفر لأن العطف يوجب المغايرة فثبت أن فسق الكافر يوجب العذاب في حقهم ، ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيّات (١).
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٢٨)
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ ...) الآية لما ذكر دلائل النبوة والتوحيد وكان أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا أعرضوا عنها ولم يلتفتوا إليها لهذا (٢) السبب قال تعالى في حقهم : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالا وقوة وجاها ، ثم إن الله تعالى سلّط عليهم العذاب بكفرهم وذكر قصتهم ليعتبر بها أهل مكة فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا ويقبلوا على طلب الدين الحق (٣) فقال : «واذكر يا محمد لقومك أخا عاد» أي هودا ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
قوله : «إذ أنذر» بدل من «أخا» بدل اشتمال وتقدم تحقيقه. وقوله «بالأحقاف» هي جمع حقف وهو الرمل المستطيل المعوجّ (٤) ومنه احقوقف (٥) الهلال ، قال امرؤ القيس :
٤٤٥٤ ـ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى |
|
بنا بطن حقف ذي حقاف عقنقل (٦) |
__________________
(١) الرازي ٢٨ / ٢٥.
(٢) في ب فلذلك السيب.
(٣) الرازي السابق ٢٦ / ٢٧.
(٤) مجاز القرآن ٢ / ٢١٣ وغريب القرآن ٤٠٧.
(٥) اللسان وفيه معان أخرى اللسان حقف (٩٣٩).
(٦) من الطويل له وشاهده في : حقف حيث المعنى على ما ذكر وأجزنا قطعنا والساحة تجمع على الساحات والسّاح والسّوح الجبيل الصغير ، والحيّ القبيلة ، والانتحاء والتّنحّي والنّحو : الاعتماد على شيء والبطن مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة. والحقف رمل مشرف معوج وهو محل الشاهد. ـ