عباس ـ أيضا ـ آفكهم (١) ـ بالمد ـ فعلا ماضيا أيضا. وهو يحتمل أن يكون بزنة فاعل (٢) ، فالهمزة أصلية ، وأن يكون بزنة أفعل (٣) فالهمزة زائدة والثانية بدل من همزة. وإذا قلنا : إنه أفعل ، فهمزته يحتمل أن تكون للتعدية (٤) ، وأن تكون أفعل بمعنى المجرّد (٥) ـ وابن عباس ـ أيضا آفكهم بالمد وكسر الفاء ، ورفع الكاف جعله اسم فاعل بمعنى صارفهم. وقرىء أفكهم (٦) ـ بفتحتين ـ ورفع الكاف على أنه مصدر ـ لأفك أيضا ـ فيكون له ثلاثة مصادر الإفك والأفك بفتح الهمزة وكسرها مع سكون الفاء وفتح الهمزة والفاء ، وزاد أبو البقاء أنه قرىء : آفكهم ـ بالمد وفتح الفاء ، ورفع الكاف ـ قال : بمعنى أكذبهم (٧). فجعله أفعل تفضيل.
قوله : (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) يجوز أن تكون ما مصدرية ، وهو الأحسن ، ليعطف على مثله ، وأن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي يفترونه ـ والمصدر من قوله : «إفكهم» يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل بمعنى كذبهم ، وإلى المفعول بمعنى صرفهم. والمعنى : وذلك إفكهم أي كذبهم الذي كانوا يقولون : إنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) يكذبون أنّها آلهة (٨).
قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ
__________________
(١) المرجعين السابقين ومعاني القرآن للزجاج ٤ / ٤٤٦ وهي شاذة أيضا.
(٢) كقاتل.
(٣) كأكرم.
(٤) أي أصارهم إلى الإفك أو وجدهم كذلك كما تقول : أحمدت الرّجل وجدته محمودا.
(٥) مثل صدّ وأصدّ. وانظر المحتسب ٢ / ٢٦٧ و ٢٦٨.
(٦) وهي رواية قطرب وأبي الفضل الرازي البحر ٨ / ٦٦ وهي قراءة شاذة. معاني القرآن للفراء ٣ / ٥٩ وانظر المحتسب المرجع السابق وهي شاذة كسابقتها.
(٧) ولم يعين من قرأ بها وهي قراءة شاذة انظر التبيان ١١٥٨.
(٨) معنى كلام أبي حيان في البحر ٨ / ٦٧.