لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٣٥)
قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ...) الآية لما بين أن في الإنس من آمن ، ومنهم من كفر ، بين أيضا أن في الجن من آمن ومنهم من كفر ، وأن مؤمنهم معرّض للثواب ، وأن كافرهم معرض للعقاب.
قوله : (وَإِذْ صَرَفْنا) منصوب باذكر مقدرا. وقرىء : صرفنا (١) بالتشديد للتكثير (مِنَ الْجِنِّ) صفة ل «نفرا» ويجوز أن يتعلق ب «صرفنا» و «من» لابتداء الغاية.
قوله : «يسمعون» صفة أيضا لنفرا ، أو حال ، لتخصصه بالصفة إن قلنا : إن (مِنَ الْجِنِّ) صفة له وراعى معنى النفر فأعاد عليه الضمير جمعا ، ولو راعى لفظه فقال : يستمع لجاز(٢).
قوله : (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) يجوز أن تكون الهاء للقرآن وهو الظاهر ، وأن تكون للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٣) وحينئذ يكون في الكلام التفات من قوله : «إليك» إلى الغيبة في قوله «حضروه».
قوله : فلمّا قضي» العامة على بنائه للمفعول ، أي فرغ من قراءة القرآن وهو يؤيد عود «هاء» حضروه على القرآن. وأبو مجلز (٤) وحبيب بن عبد الله قضى مبنيا للفاعل ، أي أتم الرسول قراءته وهي تؤيد عودها على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فصل
ذكروا في كيفية هذه الواقعة قولين :
الأول : قال سعيد بن جبير : كانت الجن تستمع ، فلما رجموا قالوا : هذا الذي حدث في السماء إنما حدث لشيء في الأرض؟ فذهبوا يطلبون السّبب. وكان قد اتفق أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما أيس (٥) من أهله مكة أن يجيبوه خرج إلى الطائف ، ليدعوهم إلى الإسلام فلما انصرف إلى مكة وكان ببطن مكة نخلة قام يقرأ القرآن ، فمر به نفر من أشراف (جنّ) (٦) نصيبين ، كان إبليس بعثهم ليعرف السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم فسمعوا القرآن ، فعرفوا أن ذلك هو السبب.
والقول الثاني : أن الله تعالى أمر رسوله أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ
__________________
(١) ولم يحددها أبو حيان في البحر ٨ / ٦٧ وهي شاذّة غير متواترة وقد ذكرها الزمخشري دون نسبة أيضا في الكشاف ٣ / ٥٢٦.
(٢) انظر التبيان للعكبري ١١٥٩.
(٣) الكشاف ٣ / ٥٢٦.
(٤) البحر المحيط ٨ / ٦٧ والكشاف ٣ / ٥٢٦.
(٥) في ب أمن خطأ.
(٦) سقط من ب.