الأنام. فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : بئس العمل قال يا رسول الله دعني من العتب ، فإني ممن آمن مع نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعاتبته في دعوته فبكا وأبكاني وقال : إني والله لمن النّادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. ولقيت إبراهيم وآمنت به ، وكنت بينه وبين الأرض إذ رمي به في المنجنيق ، وكنت معه في النار إذ ألقي فيها وكنت مع يوسف إذ ألقي في الجبّ فسبقته إلى قصره ولقيت موسى بن عمران بالمكان الأثير. وكنت مع عيسى ابن مريم فقال لي : إن لقيت محمّدا فاقرأ عليهالسلام (ف) قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعليك يا هام ما حاجتك؟ قال : إن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ علّمني التوراة وإن عيسى علمني الإنجيل ، فعلّمني القرآن. قال أنس : فعلّمه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عشر سور ، وقبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولم ينعه إلينا. قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ولا أراه إلا حيّا (١). وروي أنه علمه سورة الواقعة ، و (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] ، و (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] ، و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١] وسورة الإخلاص والمعوّذتين (٢).
فصل
اختلفوا في عدد النفر ، فقال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ كانوا سبعة وقد تقدم ، وقيل : كانوا تسعة. وروى عاصم عن زرّ بن حبيش (٣) كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن ، فلما حضروه قالوا أنصتوا أي قال بعضهم لبعض أنصتوا أي اسكتوا (٤) مستمعين يقال : أنصتّ لكذا ، واستنصتّ له. روي في الحديث أن الجنة ثلاثة أصناف ، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيّات وكلاب ، وصنف يحلّون ويظعنون. ثم إنهم لما استمعوا القرآن حتى فرغ من تلاوته (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ) انصرفوا إليهم «منذرين» مخوفين داعين بأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذلك لا يكون إلا بعد إيمانهم ، لأنهم لا يدعون غيرهم إلى سماع القرآن ، والتصديق به ، إلا وقد آمنوا. وعند ذلك (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لكتب الأنبياء ، وذلك أن كتب سائر الأنبياء كانت مشتملة على الدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى النبوة والمعاد وتطهير الأخلاق ، وكذلك هذا الكتاب مشتمل على هذه المعاني وهو معنى قوله (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
فإن قيل : كيف قالوا : من بعد موسى ، ولم يقولوا : من بعد عيسى؟
__________________
(١) انظر هذا الأثر في تفسير الرازي ٢٨ / ٣٢.
(٢) قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
(٣) القرطبي ١٦ / ٢١٣.
(٤) لم أعثر عليه في الكتب الصحاح أو غيرها من كتب الحديث.